ما زال انفجار مرفأ بيروت ينتج تداعيات متعددة ومتنوعة. الانفجار كان ضخما لم تشهد لبنان مثله على مدى تاريخها ومعاركها مع العدو. ولأنه ضخم، وواسع، وله ارتدادات، سموه في الإعلام زلزالا. لقد تزلزلت بيروت جغرافيا من شمالها إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها، وتزلزلت سياسيا وأمنيا حتى باتت محطة واسعة للتحليلات والتخمينات التي تبحث عن الأسباب، والتي توزع المسئوليات. وتزلزلت حزبيا، فأخذت الاتهامات المتبادلة طريقها إلى وسائل الإعلام تطالب بنزع سلاح حزب الله، وأخرى تطالب باستقالة رئيس الجمهورية، وثالثة تطالب باستقالة الحكومة، وربما خرج حسن نصر الله للإعلام ليتحدث في الموضوع وعنه. وتزلزل الاقتصاد حيث زاد الانفجار من حدة الانهيار الاقتصادي للبلاد، والليرة اللبنانية. لم تعد بيروت ( سويسرا) العرب، والشرق الأوسط كما عرفت في الزمن الجميل.
أما الزلزال البشري فقد كان الأوضح، وكان الأكثر ألما لمجتمع صغير، كالمجتمع اللبناني، فقد بلغت حصيلة القتلى (١٥٣) قتيلا بحسب المصادر الحكومية، ووصلت أعداد الجرحى إلى ( ٥٠٠٠) مواطن، بعضهم جراحه خطيرة. لقد دمر مستشفى الكرنتينا بكامله لقربه من موقع الانفجار، وعجزت المشافي عن التعامل مع هذا العدد الكبير، وعرضت دول في الجوار كتركيا المساعدة في علاج الجرحى في المشافي التركية.
بيروت عروس المتوسط لا تحتمل هذه الكارثة، وإذا احتملتها ماديا، فهي ربما لا تحتملها سياسيا ونفسيا. لذا يدور جل حديث ما بعد جلاء غبار الانفجار حول أمرين :
الأول : لماذا وقع الانفجار في هذه الفترة؟! وكيف وقع؟! وهل هو نتيجة إهمال حكومي، أم نتيجة صاروخ أو قنبلة متفجرة؟! الكل يريد من لجنة التحقيق بيانا شافيا وسريعا. ولكن الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج لوقت أطول، وتدقيق أعمق، وقد أشار الرئيس عون لاحتمال التدخل الخارجي، والإهمال الداخلي في كلمته، وقال طلبنا من فرنسا صورا للأقمار الصناعية، وما زلنا نبحث؟!
والثاني: تقول الأوساط الحزبية والسياسية اللبنانية، إنه وإلى حين وصول لجنة التحقيق غاياتها وإعلان نتائجها، فإن هناك في العادة مسئوليات أخلاقية وأدبية، تلزم الحكومة بالاستقالة، وتلزم رئيس الجمهورية بالاستقالة أيضا. ولكن حدوث هذين الأمرين في ساحة حزبية مثل الساحة اللبنانية هو أمر صعب، وقد لا يحدث.
لن يستقيل رئيس الجمهورية، ولا رئيس الحكومة في هذه المرحلة، لأن لبنان شكّل القصر والحكومة بصعوبة بالغة بعد فراغ سياسي طويل المدى. إن عودة البلاد لحالة الفراغ السياسي فيها إضرار بالبلاد وباقتصاد الدولة المنهار. لبنان لا يملك فائضا من الحلول والمقترحات الآن، بل هو في حاجة إلى التماسك، ولملمة الجراح، والعمل من خارج ضغوط الانفجار والمسئوليات، ومن خارج ضغوط الحالة الاقتصادية التي تتزايد، وتحتاج لجسم حكومة ونظام مستقر للمواجهة.؟!