فلسطين أون لاين

تقرير 1200 حالة متوسط الإصابة بالسرطان في غزة سنويًّا.. و"كورونا" يهدِّد حياتهم

...
ممرض يتابع المرضى في مستشفى "الرنتيسي"
غزة- أدهم الشريف

يسند الجريح علي البابا رأسه الملفوف بالكوفية على وسادة بيضاء وهو ممدّدٌ فوق أحد أَسِرَّة علاج مرضى السرطان في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي، شمالي مدينة غزة، وقد بدا في غاية الانهاك بعد رحلات علاج امتدت طويلاً منذ إصابته برصاصة قناص إسرائيلي (مدخلها البطن ومخرجها الظهر)، قبل 16 عامًا.

وبعد هذه السنوات، أصبح البابا البالغ من العمر (49 عامًا) من سكان بلدة بيت لاهيا، شمالاً، يعاني من إصابته بالسرطان في القولون؛ الذي يعد ثاني أنواع السرطان الأكثر انتشارًا في القطاع الساحلي.

وكان البابا يعاني من استقرار شظايا الرصاص المتفجر في جسده، وتسببت باستئصال الطحال، وجزء من الكبد، وخلقت مشكلات كبيرة في العصب لديه، وإثر ذلك خضع للعلاج طيلة السنوات الماضية، لكن بمرور الوقت أصبح بحاجة إلى علاج خارج قطاع غزة، فانتقل إلى مصر.

وكان الأطباء اكتشفوا إصابته بالسرطان خلال رحلة علاجية في المستشفيات المصرية، وتحديدًا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأخبروه أن إصابته بالرصاص المتفجر سنة 2004 سبب رئيس لإصابته بـ"المرض الخبيث"، كما يقول لـ"فلسطين".

وتابع البابا: أنه تلقى في مصر جرعتي كيماوي خلال 9 أشهر من الفترة العلاجية التي قضاها في البلاد، وفي غزة جرعة واحدة، لكنه يأمل في نفس الوقت الحصول على فرصة علاج حقيقية تعيده سالمًا من المرض الذي يخشى بسببه أن تفقده أسرته المكونة من  9 أفراد هو المسؤول عن إعالتهم.

علاج مفقود

وفي القطاع المحاصر؛ لا يتوفّر لآلاف مرضى السرطان سوى العلاج بالجرعات الكيماوية، فيما يحتاج الكثير من هؤلاء إلى علاج إشعاعي، يتوفر في مستشفيات خارج حدود غزة، وهو ما يجعل "واقع مرضى الأورام صعب جدًا، بسبب عدم توفر الإمكانات العلاجية"، كما يقول رئيس قسم الأورام في مستشفى الرنتيسي الطبيب خالد ثابت.

وتكمن الإشكالية بشأن مرضى السرطان، والقول للدكتور ثابت، في أن عدم توفر خدمة العلاج الاشعاعي يضطر وزارة الصحة إلى إجراء التحويلات اللازمة لعلاج المرضى في مستشفى المطلع بالقدس المحتلة، لكن ذلك أصبح صعبًا بسبب تداعيات جائحة فيروس "كورونا".

وذكر لـ"فلسطين"، أن أجهزة المسح الذري غير المتوفرة بغزة تساعد في تدقيق التشخيص لبعض الحالات المصابة بالسرطان، ومعرفة مدى انتشار الورم.

كما أوضح أيضًا أن العلاج الكيماوي لا يتوفر دائمًا في مستشفيات وزارة الصحة لكنه يتوفر حاليًا في مستشفى الحياة التخصصي، حيث أصبح يوفر الغالبية العظمى من الأدوية التي يحتاجها مرضى السرطان، سواء كانت من النوعية العادية أم الحديثة مثل العلاج المناعي والبيولوجي.

وفي هذا الجانب؛ تغلبت الوزارة على الاشكاليات تدريجيًا لتوفير العلاج الكيماوي لمستشفى الحياة، لكن الاشكالية المؤرقة تكمن في المرضى الذين يحتاجون إلى تحويلات إلى خارج قطاع غزة لتلقي خدمات غير موجودة بغزة ومنها العلاج الاشعاعي.

والعلاج الاشعاعي يتم من خلال جهاز علاجي يمنح جسم المريض طاقة تدمر خلايا الورم السرطاني، وفق ثابت.

ونبَّه إلى أن هذا الأمر أصبح له محاذير تتعلق بجائحة "كورونا" المستجد، إذ ان المريض الذي بحاجة للسفر إلى خارج غزة من أجل العلاج سيخضع للحجر الصحي عند عودته خشية إصابته بفيروس "كورونا"، وهذا الأمر له تكلفة نفسية ومرضية على المريض نفسه، مضيفًا: يمكن أن يطرأ تدهور صحي على حالة المريض؛ ولا نستطيع تقديم الجرعات في الوقت المناسب خلال تواجده في الحجر الصحي الذي حال دون تفشي المرض بغزة.

وذكر أيضًا أن المصابين بالسرطان ممن يفترض تحويلهم للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية معرضون للإصابة بـ"كورونا" إثر تفشي الفيروس في الضفة التي أصبحت تعد منطقة موبوءة، مبينًا أن بعض المرضى عادوا لغزة من مستشفيات القدس والضفة وهم يحملون الفيروس، لكنهم خضعوا جميعًا للحجر الصحي.

إحصائيات وأرقام

وبشأن إحصائيات الإصابة بمرض السرطان في قطاع غزة، بين رئيس قسم الأورام في مستشفى الرنتيسي، أن 1200 إصابة جديدة تسجل كل عام، مع ارتفاع نسبي يتراوح بين 10-15 بالمئة سنويًا، لافتًا الأنظار إلى أن هذا الارتفاع مرتبط بزيادة عدد السكان.

ووفق المعطيات المتوفرة لدى الطبيب ثابت الذي درس في الولايات المتحدة وعمل فيها أيضًا، فإن 90 مريضًا بالسرطان لكل 100 ألف نسمة في قطاع ويبلغ تعداد سكانه أزيد من مليوني نسمة.

وأكد أن هذه الأعداد كبيرة جدًا بالنسبة لإمكانيات وزارة الصحة بغزة، وهي تشمل مستشفى الرنتيسي الذي يغطي محافظات الشمال وغزة والوسطى بنسبة 70 بالمئة من مرضى السرطان، والمستشفى الأوروبي ويغطي المرضى في محافظتي خان يونس ورفح بنسبة 30 بالمئة من المصابين، جنوبًا.

وفيما يتعلق بأنواع السرطان المنتشرة بغزة، أوضح د. ثابت، أن سرطان الثدي هو الأكثر انتشارًا بين النساء، يتلوه سرطان القولون، ثم السرطانات الليمفاوية.

أما بالنسبة للرجال، فالنوع الأول من السرطان المنتشر بينهم سرطان القولون يتلوه سرطان الرئتين ثم السرطانات الليمفاوية.

وقال: إنّ سرطان القولون يأتي بالدرجة الثانية بعد سرطان الثدي انتشارًا بين المصابين عمومًا، وهذا الأمر له علاقة بالتلوث المنتشر في غزة، ومرتبط بنظام الطعام ومدى احتوائه على الفواكه والخضراوات.

أما نسبة إصابة الأطفال بالسرطان، فهي تشكل 8 بالمئة من إجمالي الإصابات، وفق ثابت.

وكان المقر الرئيس لاستقبال حالات مرضى السرطان، مجمع الشفاء الطبي، كبرى مستشفيات القطاع، لكن منذ ما يزيد عن 4 سنوات نقلت وزارة الصحة خدمات الأورام إلى مستشفى الرنتيسي، نتيجة بعض الإشكاليات التي لها علاقة بالازدحام في المباني بالمجمع.

وأكد ثابت أن مستشفى الرنتيسي ضيق ومحدود في تقديم خدمات العلاج لمرضى الأورام لقطاع كبير من المرضى، مبينًا أن ازدحامًا شديدًا يشهده المستشفى لمرضى السرطان "وفي بعض الأحيان لا نجد أسرة لإدخال المرضى، فنضطر إلى تحويلهم إلى مجمع الشفاء ويتم ادخالهم لقسم الباطنة".

من جهته، قال مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة الدكتور منير البرش: إنه نتيجة استمرار الحصار المفروض على غزة منذ 14 سنة، لم يتحسن الواقع الدوائي إلا بنسب بسيطة جدًا في بعض الفترات.

وبيَّن د. البرش لـ"فلسطين"، أن واقع الأدوية في غزة كارثي خاصة فيما يتعلق بأدوية مرضى الهيموفيليا والثلاسيميا وأمراض الكلى وأمراض السرطان كذلك.

وأضاف: تصور كيف يصبح المشهد مؤلمًا على جميع الخدمات المقدمة من وزارة الصحة عندما تصل نسبة العجز في الأدوية إلى 50 بالمئة.