من أهم مؤسسات العمل الخدمي في دول العالم : البلديات. البلديات تقدم ربما أوسع خدمة يومية للمواطن. الخبراء يقيسون نجاح مجالس إدارة البلديات بحجم نجاحها في خدمة المواطن، وتسهيل حصوله على خدمة المياه، والنظافة، وسلامة الطرق الداخلية، وتنظيم الأسواق، ومراقبة طعام المواطن، والصحة العامة ، وتنظيم البناء، ورسم جمال المدينة، وغير ذلك من الأعمال التي يصعب حصرها.
حين ينجح حزب ما في رئاسة بلدية كبرى وإدارتها، وحين يشعر المواطنون بهذا النجاح، يحملون رئيس البلدية والحزب إلى سدة الحكم ورئاسة الوزراء، كما حدث مع رجب طيب أردوغان وحزبه في تركيا، وحين يفشل مجلس الإدارة في إدارة البلدية تتراجع حظوظ الحزب في البقاء من ناحية، ويعجز عن المنافسة على قيادة الحكومة من ناحية أخرى.
كثيرة هي المجالس البلدية الناجحة في دول العالم، وكثيرة أيضا هي المجالس الفاشلة، التي يتمنى الناس رحيلها في كل لحظة. ولكن كيف يقيسون النجاح والفشل؟! وهي قضية علمية معقدة، تتزاحم فيها الأهواء مع الحقائق والوقائع، ومع ذلك لا بدّ من معايير قياس يتفق عليها الجميع، ولعل المعيار المقدم على غيره من المعايير هو: مدى رضى المواطن عن حالة الخدمات اليومية التي تقدمها البلدية، لذا كان من المنطق أن تجري كل بلدية استبانة قياس للرأي العام بشكل دوري وعلمي.
وأحسب أنه لو أجرى المجلس البلدي الحالي الذي يدير بلدية غزة الآن بكفاءة ونشاط الشباب، ربما يحظى بحالة رضى متقدمة في الدرجة من المواطنين في غزة. كيف لا وقد سمعت مواطنا يقول في مجلس عائلي عن المجلس البلدي الحالي: البداية صحيحة وناجحة، المهم هو الاستمرار. وأثنى آخر على حالة النظافة العامة، وعلى تنظيم ساحل البحر، وأثنى ثالث على جملة التسهيلات التي تقدمها البلدية للمواطن، وطال الحديث بين ما جرى من إنجاز، وبين ما يتمنى المواطن أن يحدث لاحقا.
وهنا أود القول : أن تنجح بلدية في تقديم أفضل خدمة للمواطن في ظروف سياسية ومعيشية عادية شيء مهم، ولكن الأهم أن تنجح البلدية في تقديم أفضل ما عندها للمواطن في ظل حالة مقاومة، وحالة كساد اقتصادي ومالي، كما هو الحال في غزة العزة.
حالة الكساد تعيق الخدمات لأن المواطن ليس لديه ما يكفي لدفع ثمن خدمة متطورة، وحالة المقاومة تفرض واقعا استثنائيا على الخدمات البلدية. إن قياس درجة النجاح في غزة ينبغي لها استحضار هذين العاملين، وأحسب أن مجلس بلدي غزة قد تعامل مع هاتين الحالتين بنجاح، أو قل وضع قدمين ثابتتين على سلم النجاح.
النجاح ليس هو السير في طريق لاحب منير، بل النجاح الحق هو الذي يسير في طريق مملوء بالمعوقات والعقبات، والقائد الناجح هو من يغالب العقبات ويذللها لمواطن بأقل كلفة، ويقود عملا بلا فساد، وبلا حزبية.
في كل يوم المواطن الغزي ينظر إلى البلدية، فيقارب ما قدمت، وما نجحت، وما أخفقت. ويجدر بالمجلس البلدي أن يكون مع المواطن بشكل يومي. العمل البلدي في النهاية معادلة تقول: العمل منكم وإليكم. ونجاحه منكم وبكم، فكونوا لأنفسكم عونا ومعينا.