لماذا انسحب شارون من قطاع غزة؟! لماذا فكك المستوطنات؟! (٢١) مستوطنة يستوطنها (٨٥٠٠) مستوطن كان شارون الأكثر تأييدا ودعما للاستيطان في غزة والضفة، وكان يقول: نتساريم كتل أبيب. وكان هذا الشعار مكتوبا بالعبرية في يافطة معلقة على بوابة نتساريم. كنا نمرّ من الطريق المحاذي فنقرأ هذه العبارة المفعمة بالأيديولوجيا، ونتساءل: هل هذا معطى من التوراة، أم من عقيدة الاستيطان؟! كانت العبارة تقول كلاما كبيرا، وتهدف إلى بعث اليأس في قلوب المواطنين.
مرت الأيام، وانسحب شارون من نتساريم بعد أن دمرها، ودمر بقية المستوطنات في غزة، لا سيما في مجمع غوش قطيف، وخرج كل المستوطنين، وكل الجيش العامل في غزة، وغدت غزة بلا جيش احتلال، وبلا مستوطنات. واليوم تقريبا هي الذكرى الخامسة عشرة للخروج من غزة، وتفكيك المستوطنات. في هذه الذكرى تناولت بعض الصحف العبرية الأسباب التي أجبرت شارون على الخروج من غزة بالنقاش، وتبين أن السبب المباشر كان مقتل ثلاثة جنود فيما عرف (بعملية نتساريم). كانت هذه العملية هي القشة التي قصمت ظهر البعير كما قالت الصحف العبرية.
نعم، عمليات المقاومة كانت تتواصل بين الفينة والأخرى، وكانت الخسائر الصهيونية في تزايد، وكان الخوف يمنع المستوطنين من السير في طرقات القطاع، ويمنعهم المبيت في غوش قطيف ونتساريم، وأمام هذه الحالة الوطنية المقاومة لم يجد شارون بدا من الانسحاب من القطاع، وعندما فشل في إقناع الليكود بقراره، ترك حزبه الذي تربى فيه، وأنشأ حزب كاديما، الذي حصل على أعلى الأصوات في الانتخابات، وتمكن من خلاله من تنفيذ عملية الخروج من غزة.
وتقول الصحف العبرية في هذه الذكرى إنه كان يعتزم الانسحاب أيضا من مناطق واسعة من الضفة بعد فشل خارطة الطريق، وهذا القول أكده أولمرت الذي عمل نائبا لشارون في حكومته، ولكن مرض شارون وشلله أوقفا خطط الانسحاب من الضفة، ولم يتمكن أولمرت لضعفه من تنفيذ خطط شارون. ثم عاد الليكود إلى الحكم بقيادة نتنياهو الذي خطَّأ شارون في انسحابه من غزة، وأغلق ملف الانسحاب من الضفة إغلاقا تاما.
إن مرض شارون، وتولي الليكود الحكم، ليسا السبب الرئيس لوقف خطط الانسحاب، فقد تولى أولمرت الحكم عدة سنوات خلفا لشارون ولم يعمل شيئا، ولكن السبب المهم هو أن مقاومة الضفة للجيش وللاستيطان تراجعت، ولم تصل لحالة غزة الملتهبة، وذلك أن هناك أطرافا فلسطينية ساعدت العدو في قمع المقاومة وإضعافها.
لا انسحاب من الضفة بلا مقاومة نشطة وملتهبة، وغزة كانت النموذج والمثل في ذلك، ولكن من في سدّة السلطة اختاروا طريقا مغلقا لا يوصل لهذا الهدف، وها نحن اليوم نشهد خطط نتنياهو لضم الضفة، وتنفيذ صفقة القرن، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.
قادة حكومة الاحتلال انتقلوا من النقيض إلى النقيض، بهدف تحقيق مصالح دولتهم، ونحن في السلطة لا نراجع خططنا، ولا نجري عليها تحديثا، ونحن في الضفة لا نريد مقاومة، حتى ولو ضمها نتنياهو! وباتت المسألة في سؤالين: لماذا انسحب شارون من غزة؟! وكيف نجبر الجيش على الانسحاب من الضفة؟! أو قل كيف نمنعه من ضم الضفة؟! هل فات الوقت، أم فيما تبقى منزع؟!