يشهد جنوب لبنان حالة من التصعيد والتوتر والقلق. الباب هناك مفتوح على احتمال عال للاشتباك بين قوات حزب الله، وقوات العدو. العدو رفع درجة التأهب بسبب احتمالات قيام حزب الله بالرد على مقتل علي محسن القيادي في الحزب في غارة صهيونية على سوريا.
زعمت (إسرائيل) في رسائلها غير المباشرة للحزب أنها لم تخطط لقتل علي محسن، وأن القتل وقع دون علمها، ودون تخطيط مسبق. رسائل نزع فتيل الاشتباك المحتمل وصلت إلى لبنان من خلال الأمم المتحدة، ودول أوربية صديقة للبنان.
الحزب رأى في مقتل علي محسن تحديا له، ولكنه يعيش حالة الاختيار القلق، بين قبول رسائل (إسرائيل) وامتصاص الضربة الموجعة، بما يصحبها من تراجع في شعبية الحزب بين دعاة الانتقام، خاصة وأن الحزب أرسل رسائل تهديد كبيرة للعدو، إذا مسّ بكوادره. وبين خيار الانتقام وتقبل ردود الأفعال الإسرائيلية التي زعمت حكومة العدو أنها لن تقف عند الحزب، وأنها ستطال الدولة اللبنانية، والبنى التحتية للبنان.
ما زال الموقف قبل العيد، وبعد انتهاء العيد المبارك على حاله. الطرفان يقفان على رؤوس الأصابع حذرا من تداعيات الطلقة الأولى. فهل ينتهي الحذر بتفاهمات تفرض معادلتها الدولة اللبنانية التي تعيش أسوأ أزمة اقتصادية ومالية منذ قيام الدولة اللبنانية؟! الأزمة الاقتصادية تفرض نفسها في لبنان على الساحة الداخلية، وعلى الساحة الخارجية على حدّ سواء. وهي حالة قاسية تمتد من الدولة إلى الأحزاب اللبنانية، وإلى التجمعات الشعبية. حزب الله مثلا المعني بقيادة المقاومة يعاني من أزمة مالية، فهو لا يستطيع دفع رواتب موظفيه، وتراجعت وارداته المالية القادمة من إيران بسبب العقوبات الدولية المفروضة على إيران. الحزب فيما يبدو قرر التراجع عن الرد على مقتل علي محسن، لأنه لا يريد أن يجمع على نفسه مشاكل معركة غير معلومة النتائج، ومشاكل حالة مالية سيئة وحكومة لبنانية توشك على السقوط، ولا تكاد تجد حلا لمشكلتها الاقتصادية ، مع تهاوٍ قاسٍ لليرة اللبنانية.
إنه بينما تشهد الجبهة الشمالية هذه الحالة المأزومة، فقد بدأت بوادر حالة مماثلة تظهر على الجبهة الجنوبية في غزة، حيث قصفت طائرات الاحتلال عدة مواقع لحركة حماس في غزة، بزعم الردّ العاجل على صاروخ أطلق من غزة على مدينة سيدروت، بينما كان مسئول منطقة الجنوب ( اللواء نمروذ) يتسلم عمله قائدا للمنطقة الجنوبية، من سلفه المغادر لموقع قيادة الجبهة الجنوبية. جيش الاحتلال اعتبر الصاروخ الذي لم يصب أحدا رسالة تحدٍ وإنذار للقائد الجديد، فقررت قيادة الأركان الردّ العاجل، فقصفت موقعا للباطون، ومواقع أخرى. وما زال الوضع مفتوحا على احتمالات التصعيد.
ما يجدر بنا قوله إن حالة التوتر والقلق في الشمال والجنوب ستبقى جزءاً من حياة ممتدة للسكان والقادة لسنوات طويلة حتى يصل الشعب الفلسطيني واللبناني إلى حقوقه، وفي هذه الفترة الممتدة، يجدر بالقادة ألّا يخوضوا معركة إلا وقد أحسنوا فيها الحسابات الدقيقة، بحسب مصالحهم ذات الأبعاد الوطنية الخالصة.