قبل أن نخوض في سطور وحيثيات المقالة علينا أن ننشط ذاكرتنا بالتعرف على نبذة مبسطة عن حياة يحيى السنوار، فقد ولد عام 1962 في مخيم خانيونس، وتعود أصوله إلى المجدل، وحصل على بكالوريوس لغة عربية من الجامعة الإسلامية، اعتقل ثلاث مرات الأولى عام 1982 مدة أربعة أشهر إدارية، والثانية عام 1985 مدة ثمانية أشهر إدارية، والثالثة عام 1988 وحكم عليه أربعة مؤبدات قضى منها 23 عاما، وأفرج عنه عام 2011 في صفقة وفاء الأحرار ، وتزوج في العام ذاته وقد كان عمره 49 عاما.
انتخب عضوا للمكتب السياسي لحركة حماس عام 2012 ، وفي عام 2017 انتخب رئيسا للحركة في قطاع غزة.
وسنبدأ من النقطة الأخيرة من حيث قيادته للحركة في غزة وبعد مرور قرابة أربع سنوات، علينا وضع بعض الإشارات والخطوط حول هذه السنوات الأربع، وعلينا الإشارة هنا إلى أن كل قائد لحركة حماس يلتزم بالإستراتيجية والأهداف العامة للحركة ويعمل وفقها؛ ولكن الآليات والإجراءات، وكيفية إدارة الملفات ووضع أولوياتها تختلف من قائد لآخر.
وحسب متابعتي كان واضحا أن السنوار عمل في فترة قيادته وفق ثلاثة مسارات:
الأول: دعم وتقوية البنية التحتية للمقاومة ومراكمة قوتها.
وهذا الملف كان حاضرا بقوة خلال السنوات الأخيرة، وقد تحدث أبو إبراهيم في أكثر من محفل أن قيادة الحركة تبذل كل ما بوسعها من أجل دعم مراكمة القوة، وأن ملايين الدولارات صرفت في سبيل ذلك حتى وصلت صواريخ القسام إلى أبعد مدى، وأصبحت تغطي مدن فلسطين وبرؤوس ثقيلة، وهي في طريقها إلى أن تصبح أكثر دقة في إصابة الهدف، ولك أن تتخيل كيف أصبحت الأنفاق وشبكة الاتصالات والطائرات دون طيار والكوماندوز البحري وقوات النخبة والدروع ومراكز الدراسات والبحث والإعلام العسكري والذراع الأطول جهاز الاستخبارات، والكثير مما لا يظهر للناس ستعلمه في المعارك.
كل ذلك جاء ضمن سياسة مراكمة القوة التي تفخر بها المقاومة.
ولإيمان قيادة حماس بالوحدة الميدانية، دعم السنوار هذا المسار، وتم إنشاء الغرفة المشتركة، التي تشمل أكثر من 13 جهازا وذراعا عسكريا للفصائل الفلسطينية.
وأيضًا هناك حديث عن تنسيق عالي المستوى للمقاومة في المنطقة لتشكل طوق خنق لدولة الاحتلال.
ثانيا: الحفاظ على الجبهة الداخلية:
هذا الملف استحوذ على طاولة البحث لدى قيادة الحركة في قطاع غزة، وأعتقد أنها عملت وفق ذلك على خمسة مستويات وهي:
1- الشباب والإعلام:
لأن المعارك والحروب تدار في هذا العصر من خلال الإعلام، اهتمت قيادة الحركة بفئة الشباب وكانت على تواصل دائم معها من خلال سلسلة لقاءات سواء عامة أو خاصة، وأطلعتها على آلية اتخاذ القرار وماهية المخاطر المحدقة بشعبنا وقضيته ، ولأن الإعلام يأتي في صلب هذا المسار كان له نصيب الأسد في الاهتمام وكان اهتماما واضحا بالإعلام الرقمي الذي يعد من المفاعيل الأساسية للحرب الدائرة على هذا الشعب وتشكلت عشرات الحملات الدفاعية والهجومية .
وبالتالي اهتم السنوار بهذا الملف وما يزال حتى يقود الشباب بأنفسهم أي حرب إعلامية ونفسية دفاعا عن مشروع المقاومة في المنطقة .
2- المخاتير والوجهاء :
كان من الجميل أن يهتم أبو إبراهيم بالشباب ويدعمهم، وفي المقابل أن يتواصل مع الوجهاء والمخاتير باعتبارهم معول استقرار للجبهة الداخلية ، فكان اهتمام قيادة الحركة كبيرا بهذا الملف ، وكان عام 2019 شهد حملة كبيرة جدا للتواصل مع العائلات والعشائر وكان استقبالا حافلا وحميميا لقيادة الحركة يعبر عن أصالة هذا الشعب العظيم ، ومن وقتها أصبح التواصل بشكل دائم في كل قضية ومعضلة تواجه مجتمعنا وأهلنا في القطاع .
3- الحاضنة الشعبية:
لأن أبناء شعبنا هم من روافع مشروع المقاومة ، ولأن الاحتلال وأعوانه استهدفوا الحاضنة الشعبية للمقاومة في محاولة منهم لضربها وإنهاكها، كانت من أولويات قيادة الحركة وشكلت فريقا متخصصا للحفاظ على الحاضنة الشعبية، ومن أهم مشاريعها الاهتمام بالشرائح المعدومة من أبناء شعبنا ، وكذلك المساعدة في تزويج من هم فوق 35 عاما ، والعمل على إيجاد فرص عمل للشباب ، وحسب معلوماتي أن مشروعا كان معدا لتشغيل الآلاف من الشباب ولكن جائحة كورونا حالت دون ذلك .
وأيضا خصصت مكتبا لاستقبال المظالم والعمل على حلها مع الجهات المعنية .
وكذلك من باب أن تبقى الدوائر الحكومية في القطاع بعيدة عن الفساد وأن تشكل حماية للحاضنة الشعبية هناك محاربة للفساد في نشاط غير مسبوق وملاحقة الفاسدين .
4 - العمل الوطني :
قيادة الحركة رسخت أهمية هذا الملف ، ورفعت مستوى العلاقة مع الفصائل الفلسطينية على مختلف توجهاتها من العلاقة التنظيمية البحتة إلى العمل ضمن فريق متجانس يتابع، ويعمل في كل المجالات الوطنية والمجتمعية في غزة ، فعند ظهور أي أزمة أو إشكالية تجدهم يجتمعون ويعالجونها بشكل سريع .
وتكلل وتعمق ذلك في قيادة الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، التي شهدت ترسيخا للعمل الوطني حتى أن المواطن شعر بحالة الانسجام والتوافق .
وأيضا شهد العمل الوطني الوحدة الميدانية بين الأذرع والأجنحة العسكرية وتشكلت الغرفة المشتركة .
وفي الفترة الأخيرة شهدت الساحة الفلسطينية عملا وحدويا بين حركتي حماس وفتح وبمشاركة كل فصائل العمل الوطني نحو رفض مخطط الضم الاستعماري .
5 - المصالحة الوطنية :
استكمالا للعمل الوطني كان لا بد لقيادة الحركة أن تنهي حالة الانقسام وتذهب للمصالحة الوطنية مع حركة فتح ، وشهد عام 2017 ما سمي بهجوم المصالحة، الذي قاده الأخ يحيى السنوار وبذل في ذلك كل ما يستطيع، وتم تذليل كل العقبات لعقد اتفاق وطني، وكان ذلك بحضور قيادة جهاز المخابرات العامة المصري، وتم وضع جدولة زمنية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ، وقدمت حركة حماس تنازلا عن اللجنة الحكومية وسلمت المعابر الثلاثة " بيت حانون ورفح وكرم أبو سالم " لحكومة الحمد الله ، وكانت قيادة الحركة جاهزة لتقديم المزيد في سبيل إتمام المصالحة إلا أن حركة فتح لا نعلم بضغط من أي جهة تراجعت عما تم الاتفاق عليه .
وكان أبو إبراهيم قد التقى وقتها بمختلف فئات شعبنا لتهيئة الجميع وتبشيرهم بالمصالحة ، ولكن واضح أن هجوم المصالحة قد أزعج جهات منها عربية ودولية وكذلك دولة الاحتلال فكانت مسرحية محاولة تفجير موكب الحمد الله و ماجد فرج، وبذلك تفجرت مساعي المصالحة .
ومع نهاية عام 2019 كانت محاولات جديدة نحو إتمام المصالحة الوطنية عبر بوابة الانتخابات التشريعية والرئاسية ، وقدمت حماس حينها موافقة سريعة دون تردد، وهذا كان في غير توقع حركة فتح نفسها، وأطلق السنوار شعار "جاهزين" في إشارة لجهوزية الحركة لخوض الانتخابات ، إلا أن حركة فتح تراجعت في الساعات الأخيرة .
ثالثا : ربط غزة مع العالم الخارجي وتقوية العلاقة مع المحيط العربي والإسلامي:
من أهداف الجهات المعادية لحركة حماس وتحديدا في قطاع غزة تخريب علاقتها مع الدول العربية عوضا عن تفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل ، وباعتبار مصر الأقرب إلى القضية الفلسطينية، عمل السنوار على ترتيب العلاقة مع جمهورية مصر، ونجح في ذلك حتى أصبحت العلاقة أكثر متانة وقربا، والتنسيق أصبح عاليا معها .
وفي المقابل تمكنت قيادة الحركة وتحديدا خلال السنوات الأربع الأخيرة من ترتيب أوراقها مع إيران وحزب الله اللبناني والاتصالات على أعلى المستويات مستمرة في سبيل دعم المقاومة الفلسطينية .
وأيضا العلاقة مع قطر وتركيا مستمرة في دعم شعبنا والتخفيف من مشكلاته المعيشية .
وقفات مع السنوات الأربع الأخيرة:
1- الكشف عن المجموعة التي اغتالت القائد مازن فقها وإعدام أفرادها.
2- عملية حد السيف التي قطعت يد القوات الإسرائيلية الخاصة.
3- المقاومة خاضت أكثر من 13 جولة تصعيد مع الاحتلال لوضع المعادلة التي تريدها .
4- إظهار الرفض الفلسطيني المقاوم لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في يوم 14-5-2018 واستشهاد أكثر من 60 مواطنا شرق غزة .
5 -فكفكة بعض الأزمات الناتجة عن الحصار أهمها الكهرباء والمعابر .
6- صرف رواتب لمن قطعها عنهم عباس من أهالي الشهداء والأسرى والجرحى .
7- إفشال مخطط احتلالي تخريبي باعتقال خلية تخريبية في تموز من العام الجاري .
8- النجاح في السيطرة على وباء كورونا وحماية أهلنا في قطاع غزة .
تنبيهات :
هناك من انتقد الأخ يحيى السنوار في أربعة ملفات وهي :
1- التسرع في ترك المعابر وتحديدا معبري بيت حانون وكرم أبو سالم .
2-العودة إلى النعرات العائلية وظهور تكتلات قبلية .
3- الإطالة في مسيرات العودة وخاصة في عام 2019 .
4- عدم المحاسبة الواضحة للفساد .
ونختم هنا أن الأخ يحيى السنوار يتميز بشخصية وطنية تحظى باحترام وثقة الشعب الفلسطيني، وكذلك علاقته متميزة مع فصائل العمل الوطني ، وهذا يعبر عن سياسته في السنوات الأخيرة التي كانت جامعة لكل أبناء شعبنا بفئاته وفصائله وألوانه المختلفة .