فلسطين أون لاين

لماذا الحديث عن حل الدولة الواحدة الآن؟

كون الأنظمة العربية الرسمية الحليفة لأمريكا والصديقة لـ(إسرائيل) من مجموعة دول الطوق هي اليوم في وضع عسكري وسياسي مُفلس لا يسمح بسياسة خارجية وطنية ولا مستلقة، وأن خياراتهم السياسية لا يمكن أن تكون غير خيارات العدو الصهيو امريكي، فإنها تخرج علينا مع كل حالة سياسية أو حدث كبير مستجد بتصريحاتها التي تبدو تخبطية وعبثية وفي حقيقتها ليست كذلك. أما نخب هذه الأنظمة المتقاعدة والمبدعة في وسطيتها المزعومة فتدلف تصريحاتها إسفافاً سياسياً وفكرياً من مزراب صدئ مع كل حدث أو ظهور إعلامي، يعري إفلاس وفشل وسطيتهم لكنه إسفاف هادف وخبيث.

لم أعثر على أي سبب أو مناسبة أو حدث سياسي يدعو لمد اليد في خرج قديم يؤخذ منه مصطلح حل الدولة الواحدة ويُلاك به دون أن يكون يوما مداراً لمبادرة أو محل بحث أو تفاوض أو محل تفكير في العقلية الصهيونية حتى في وقت ضيقها، ويَعجب الواحد أو يتساءل لأي جهة يوجهون هذا الكلام وعلى أية خلفية والحالة على الأرض تجاوزت كل الطروحات السياسية وأسقطت وتُسقط كل كلام بلا معنى أو انتاجية. إلّا أنه لا يمكن أن يكون طرح هذا الحديث الهراء من مستويات عالية من النظام وأشخاصه في تزامن مع طرحه من نخب متقاعدة نُفِخت كثيراً وفُتحت لها كل الطرق للإعلام لتنافس النظام تارة وتدعمه تارة أخرى أن يكون هذا الطرح عبثاً. ولا بد من تلمس أسبابه أو غاياته. وسنأتي على هذا في السياق.

وعلى المواطن العربي أن يدرك أولاً بأن (إسرائيل) لم يسبق لها وأن طرحت باسمها أية مبادرة سياسية منذ بداية الاحتلال لفلسطين ولغاية هذا التاريخ. وأنها كلها طُرِحت نيابة عنها وبعلمها المسبق وبأنها هي من تقف وراء طرحها كي ترفضها أو تتحفظ على أساسياتها، بينما يقبلها العرب ويتم إفشالها بعد أن تصبح موافقتهم عليها نقطة انطلاقة سياسية جديدة بسقف متدني جديد. وهكذا مبادرة وراء أخرى بسقف متدني آخر. وأن يدرك المواطن العربي في هذا أن مسألة الدولة الواحدة لم يسبق وأن طرحها أي طرف دولي أو عربي كمبادرة لا بالأصالة ولا بالنيابة عن (إسرائيل)، لأنه حل يتناقض كلياً مع المشروع الصهيوني. وفي هذا لظرف الذي يثار به الحديث عن هذا الحل وصل مسلسل المبادرات التي تُطرح نيابة عنها إلى مبادرة صفقة القرن المعروفة طبيعتها وتعدت معها القضية الفلسطينية فلسطين وأصبحت قضية تفتك بالأردن وبكل قطر عربي وتتعطل معها لغة الكلام، والكل يعقل ذلك. ولم يبق متسع للحديث عن حلول أو عن حل كهذا لا يصلح أن يكون مزحة بالنسبة لـ(إسرائيل) في هذا الظرف.

ولنظامينا الأردني والفلسطيني وأفراخهم في الشارع والصالون، أقول بأن الشعب العربي ليس ضد حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين والتي تضم يهود فلسطين، إلّا أن هذا على تناقضه مع عروبة فلسطين الخالصة لم يطرح يوما كمبادرة ولا جرى الحديث به ولو هامشيا في تاريخ مسلسل المفاوضات الذي كان خياركم. وهذا يثير التساؤل أين كنتم خلال عقودها ولماذا لم تطرحونه كمبادرة عربية أو تطرونه آنذاك واكتفيتم بالتعامل مع كل المبادرات المهينة، ولماذا الآن خرجتم تلوكون به بعد أن تمخضت عقود المفاوضات عن تهويد كل فلسطين وتقنين يهودية الدولة وانهيار النظام العربي وأقطاره. ويجري التنفيذ على الأرض مع كل أساليب التطهير العرقي الناعمة والخشنة في جو من ردود فعل عربيه ودولية باردة وغير اكتراثية. إن كنتم لا تشعرون بعبثية كلامكم على أرض الواقع السياسي والمادي، وكنا لا نشعر نحن بدورنا بخبث أهدافكم، فهل من المنطق أن تتجاهلوا طبيعة الصراع العربي الصهيوني الوجودي ومستلزماته من طرفهم وطرفنا . أم أنتم مأمورون بهذا الطرح الذي لا وجود له بالمطروح، أم انكم ما زلتم تصرون على إمكانية حلب ثور.

والآن أحصر أسباب وغايات إثارة موضوع حل الدولة الواحدة باثنين من واقع تأثير نشر الحديث على السلوك السياسي للمواطن الفلسطيني والعربي، ومن ما يمكن أن يترتب على طرح هذا الموضوع من نتائج سياسية على الصعيد الدولي. أما عن الأول فإن سقوط مسار كل الخيارات السياسية ومعاهدات السلام ومسلسل المفاوضات وكشف أمريكا و(إسرائيل) علانية عن نواياها ورؤيتها في المضي بتنفيذ المشروع الصهيوني من طرف واحد، موصدين كل الأبواب أمام أي تفاوض أو تسوية سياسية تَخرج عن تحقيق هذا الهدف وبالتهديد والابتزاز، يشكل مفصلاً تاريخيا في خيارات الشعب العربي والفلسطيني خاصة، ومن شأنه أن يُبرز بل أبرز خيار المقاومة كخيار وحيد أصبح يفرض نفسه حتى عند كل متردد بجدواها، وكان لا بد من إلهاء الناس بما يثير اللعاب في مسلسل الكلام بعيداً عن الفعل وبعيدا عن الاستحقاق المنطقي والألي وهو المقاومة كحدث كارثي على المشروع الصهيوني. ولا يفوتنا من ناحية ثانية بأن التفاف المواطنين العرب في أقطارهم على خيار المقاومة يهز شرعية أنظمتها واستقرارها.

أما عن الغاية الثانية فتتعلق بحل الدولتين، إذ لا شك بأن الملهاة المسماة بحل الدولتين فيها وجهة نظر للنظام الرسمي العربي ولها من يؤيدها في شعبنا، كمبادرة دولية طُرحت بالنيابة عن (اسرائيل) خبثاً وخداعاً وكنقطة انطلاق جديدة في المسار الذي ترسمه الصهيونية للقضية. إلا أن هذا الحل الذي تجاوزته صفقة القرن والواقع الاستيطاني على الأرض الفلسطينية ما زال ملفاً عالقاً على طاولات المجتمع الدولي الرسمي يؤرقها ويؤرق القيادتين الأردنية والفلسطينية ويسبب استمرار وجوده الإحراج للأطراف الثلاثة كوثيقة دولية، ولا بد في عرفهم من التخلص منه، ومن هنا كان لا بد للعقول الغربية الصهيونية أن توعز لأصدقائها بطرح حل الدولة الواحدة في الشارع والصالونات ليطمسه . ولا استبعد عقد الندوات الرسمية والدولية في هذا ليكون سببا للتخلص من مشروعية ملف حل الدولتين هذا للأطراف الثلاثة ولتبرير وتسهيل دفنه كميت، فإخراج شهادة وفاته ضرورة للتعامل مع ما سيرثه من مشروع.

الخيانة والتواطؤ يا سادة وجعنا نحن العرب. النجاسة والطهر لا يلتقيان والتاريخ مُعَلم وحكم وهادي، ونحن لن نكون استثناءً منه، والمقاربة بين خيار المفاوضات ومبادرات السلام بعنوان الاستسلام، وبين المقاومة وعنوانها التحرير لم يعد لها مجال. نريد جوابا منكم على سؤال يا من تمثلونا حراماً لا أستثني منكم أحداً ويا من فرضوكم نخباً، متى سنسمعكم تقولون وصلْنا لحالة لا خيار لنا فيها الا طريق المقاومة ؟. يبدو أن كل شيء عندكم جائز وممكن عدا الحقيقة والمنطق الوطني والسياسي السليم والنظيف. حقائق التاريخ بعرفكم لا تسري علينا فهل هناك احتلال انتهى بغير مقاومة ؟ وهل من حوار غير حوار البندقية مع محتل بالبندقية ؟ أم أن قضيتنا بعرفكم غير عادلة ؟. وإن كنتم مجرد استسلاميين ومأخوذين باستخدام القوة ونتائجها فلماذا تنكرونها علينا يا…. لقد طرقتم وتطرقون كل ابواب المنهزم والمستسلم والمتواطئ وتمنعتم عن طَرق باب المقاومة . وتعاملتم مع المشاريع إلا مشروع المقاومة تنبذونه، وحاربتم حماس والجهاد على أنهما متطرفتان برأي الصهيوني بينما من يحكم منهم وتتعاملون معه هم أعتى المتطرفين، فهل هناك لموقفكم وسلوككم تفسير غير تفسير الصهيوني المحتل .

 لكني أبشركم بأن منطق التاريخ وعدالة السماء تبشران بأن هذا الشعب على ثرى فلسطين والأردن وكل قطر عربي سينتفض وينفض معه كل الغزاة ومن والاهم من الحكام وجوقاتهم، ولن تكون فلسطين إلا حرة عربية ..

وللقيادة الأردنية أقول كفى ازوراراً عن الحقائق فالأردن كله بحسبتهم الموثقة وبممارساتهم طعم يؤكل لصيد فلسطين وأكلها، وحل الدولتين وُلد ميتا وتلاشت جيفته بعد أن قضى وطره ولا يضيرنا دفن عظامه وعلى أمريكا و(إسرائيل) أن يتذكروا حقيقة صارخة وعلى مليكنا أن يتأكد منها، إنها تُسمِع من به صمم أن في الأردن شعباً تعرفون تركيبة وطينته الواحدة ووحدة همومه وأوجاعه، وبأنه لم يعش ولم يعتد حياة شعوب الخليج والجزيرة ولا ظروفها، ولا يملك من حطام الدنيا اليوم إلا الوطن المهدد وكرامته كأثمن مما تتصورون، ولن يترك هذا الوطن ولا هذه الكرامة وستكون أرض الأردن في اللحظة الحاسمة مقبرة حقيقية للطامعين ومن والاهم على أرضنا.

سيدي الملك نحن الأردنيين نحلم ونتأمل بحكمتك وشجاعتك. وإن ضيق يدك السياسية والعسكرية تعوضها إرادتك بوقوف الشعب لجانبك. ضمير الأردني والفلسطيني وكل عربي يتطلع اليوم اليك بحسرة كبيرة. لا يرضينا أن يزاود أحد عليك وعلى وطنيتك وحفاظك على أمانة الأردن وفلسطين وطناً ومقدسات. الحكمة والمستشارون والنصيحة والرجال والتاريخ كله في الأردن ونحن محجها كنا على الدوام للعرب والعربان ولا يمكن أن يصبحوا محجاً لنا فهذا من مفارقات الزمن. أنت العربي الهاشمي في ملعبك وحدك اليوم وضعوا كرة التحدي المصيري والمسئولية عليك كبيرة وخطيرة. فهل تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بانعطافة ملكية هاشمية تبهر العالم كله؟