فلسطين أون لاين

تقرير الرجال وكسوة العيد والمدارس.. حكاية كل عام

...
WhatsApp Image 2020-07-22 at 9.22.00 AM.jpeg
غزة/ يحيى اليعقوبي:

 

بجانب أحد المحال التجارية بشارع عمر المختار وسط مدينة غزة يجلس الستيني سمير الطويل على كرسي بلاستيكي، وبجانبه يضع صندوقين من الكرتون فارغين، يبيع عليهما الجوارب الشبابية والنسائية، ينتظر مرور مشترٍ لتحصيل لقمة عيش أطفاله، لكن هذه المرة مطلوب منه تأمين احتياجاتهم في المدارس والعيد، وهو ما يجعله غارقًا في حيرة وتفكير وشاردًا في حساباته مع نفسه.

"لدي ثلاثة أطفال في المدارس، ولا يوجد إمكانية لدي لشراء ملابس لهم للمدارس، فبصعوبة أستطيع سد رمق عيشهم، وليس كسوتهم" يختصر حاله بتلك الكلمات التي تردد كثيرًا في البوح بها.

 شروده، وقسمات وجهه، وملامحه المرهقة، وربما البائسة، إن جاز التعبير، وغرقه في التفكير، تكفي لشرح حاله، لكنه أضاف: "ما في اليد حيلة (...) يشغل تفكيري كيف أجعلهم مثل الأطفال الآخرين بملابس جديدة، ولكن لا يوجد بيع، والربح لا يكاد يصل إلى عشرة شواكل".

هل تكفي الشواكل العشرة لتوفير لقمة عيشهم؟، ضحك أخيرًا، لكن حتى ضحكته كانت أكثر حزنًا من الحزن ذاته: "أصلًا بطعمهمش، من ساعات الصبح ما استفتحتش (لم أبع)".

الحل عنده هو استدانة مبلغ من المال، "لكن، مين بده يداينك؟" سؤال يطرحه، معقبا: "الحياة متعبة، إن ما كانش في مساعدات انسى الواحد يعيش".

الأب هو المسؤول الأول عن الأسرة والموكل بتدبير مستلزماتها كلها من النواحي جميعًا، يقع على كاهله تلبية المستلزمات المادية، بالأخص في المناسبات كعيدي الفطر والأضحى المباركين، وفي الأيام المقبلة أيام تلبية كسوة المدارس واحتياجات طلبة الجامعات، وهذا يقع على كاهل الأب المسؤول المباشر عن حمل هذه المسؤوليات والمهام، خاصة إن اجتمعت المناسبتان معًا، فتصبح المسؤولية مضاعفة.

يحار السبعيني محمد غزال كيف سيتعامل مع موسم المدارس، إذ قال لصحيفة "فلسطين": "أزمة  وحمل كتير، لأنه ما في عمل، ولا في استعداد، ولا فلوس أصلًا".

لا يخفي غزال الذي التقته "فلسطين" في سيارة الأجرة ما يعيشه والخيارات الأخرى المتاحة لديه: "حينما ينقص علينا المال نستدين لتغطية احتياجاتنا".

لدى غزال المتقاعد عن عمله بسبب تقدمه في العمر ثلاثة أبناء في المدارس وابن في الجامعة، في حين يحاول الأخير تخفيف الحمل عن كاهل والده بالتفوق الجامعي والحصول على منحة امتياز.

أما "أبو جميل" الذي فضل عدم كشف هويته فهو بائع ملابس وليس مشتريًا، ولكنه يتشارك الحكاية مع غيره من منظور آخر؛ فلأسرته احتياجات غير الملابس.

على مدخل محل "أبو جميل"، نحو 30 قميصًا مدرسيًّا بأشكال مختلفة معلقة، ولافتة صغيرة مكتوب عليها: "البلوزة بـ 15 شيكلًا"، بعدما كانت -حسبما يقول لنا- تساوي 30 شيكلًا قبل شهرين فقط، حتى هذا العرض لم يلق قبولًا عند كثير من الزبائن، فلم يبع سوى خمسة قمصان منذ أربعة أيام.

قال: "أوضاع الناس صعبة، نحن لم نستورد موديلات جديدة، وما عرضناه فقط ملابس عيد الفطر، وسنعرض بعضًا من العينات لملابس المدارس".

بدائل متاحة

هنا تكون الركيزة الأبرز للرجل أن يكون قد حظي بزوجة داعمة اجتماعيًّا له في الظروف الصعبة، وتتجاوز بعض الاحتياجات، وأن تشعره بأهمية دوره الأساسي راعيًّا للبيت لا ممولًا له، وإيجاد البدائل لبعض الاحتياجات، إن أمكن، مع إحداث شعور الاستكفاء والرضا ليعم أفراد الأسرة، وبذلك تساعد أبناءها على الشعور بالرضا الذي بدوره يحقق صحة نفسية أكبر لجميع أفراد العائلة، بحسب حديث خبيرة التربية الأسرية ليلى أبو عيشة.

وتقول أبو عيشة لصحيفة "فلسطين": "إن مهمة الرجل الأساسية هي السعي في الأرض، فعندما لا تتحقق عنده تلبية الاحتياجات لمن هو مسؤول عنه تتجلى عنده مشاعر العجز التي  تسيء له بدورها، وكم من نماذج حولنا من الأفراد الذين قد قهرتهم الظروف المادية، وتسببت لهم بضغوطات نفسية، وأثرت في صحتهم، ولم تجن عوائلهم سوى الندامة على تعاملها مع تلك الظروف بتذمر وإلحاح".

تضيف: "إذا كان لدى الرجل خطة مالية مسبقة عود نفسه عليها فمن السهل عليه أن يلبي احتياجات الأسرة المادية، أما في حال كان لديه أزمة مالية كما نعيش في الوقت الحالي مع الحصار وأزمات الرواتب، فيحدث عجز يخلف آثارًا سلبية على تلك الاحتياجات المادية للأسرة عمومًا، وسينتج عند الأب ضغوطات واضطرابات نفسية وشيء من التوتر، وعلامات غير جيدة على الصحة النفسية قد تنقلب إلى علامات مرضية، فيصاب بضغط الشرايين وأمراض القلب".

تبعًا لكلام الخبيرة التربوية، ينبغي أن يكون لديه آلية ما وحسابات سنوية يسير عليها من أول العام، ويعرف كيف يدبر أموره بين توفير المصروف المنزلي وإحداث بدائل مثلًا كالشراء بسعر مخفض وبالتقسيط، وإحداث تقليصات في الاحتياجات بتوفير أولًا احتياجات الغذاء والمأكل، فهناك أمور إن غابت فإن العائلة تستطيع تدبير أمورها دونها.

فوفقًا لحديث أبو عيشة؛ بعض سيدات البيوت يعملن كل موسم عيد على تغيير الأواني وكل ما يتعلق بالضيافة، فيمكن استعمال الأواني القديمة.

وتكمل: "كلٌّ يعرف أن الفرحة لا تأتي من الأشياء المادية حتى لا نضغط على كاهل الرجل، وحتى يوفر كل المستلزمات لأن هذه الأمور في النهاية تشكل ضغطًا نفسيًّا عليه".

من الحلول الأخرى –والكلام لأبو عيشة- كي ملابس الأطفال الخاصة بالدراسة من العام الماضي، ورشها بالعطور، وفتح الأم باب الحوار مع الطفل، بأن والده يعمل لكنه لا يستطيع توفير كل شيء، وإن جاء له بلعبة رخيصة الثمن تشعره بقيمتها، وأن والده يفكر به، فجميل بالأم أن تغرس هذه المفاهيم في نفس الطفل حتى لا يتحول إلى إنسان مادي على قاعدة: "إذا توافرت المتطلبات فهم يحبونني، وإلا فلا".

تطرح الخبيرة التربوية حلًّا بديلًا آخر، وهو استدانة مبلغ "معقول" من المال يفرج به همه، ولا يفكر بالعجز الذي يعيشه، وهذا يتطلب إحياء المشاعر الطيبة تجاه الآخرين.

وفي هذا الإطار على الحكومة مسؤولية كذلك بصرف الرواتب قبل وقتها الأساسي، وسيكون الموظف شاكرًا لهذه اللفتة الطيبة.

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين