فلسطين أون لاين

الأول من نوعه في غزة.. جهاز مغنطة المياه يضاعف إنتاج المحاصيل الزراعية

...
غزة- خاص "فلسطين":

يكافح المزارع محمود عاشور للاستمرار في زراعة العنب، في وقت استسلم فيه زملاؤه من المزارعين، وتحولوا إلى زراعات أخرى، بفعل حاجة العنب إلى مضاعفة الاهتمام وتوفير مياه عذبة.
عاشور نفسه اضطر إلى التفكير بالابتعاد عن مهنة الزراعة بعد أن تكبد خسائر العام الماضي جراء استخدامه المياه المالحة (المتوافرة) في ري العنب، لكنه عاد في عام 2020م إلى الزراعة بعد أن تمكن من الحصول على جهاز تكسير الأملاح المغناطيسي (أيونيزر) الذي يعمل على تفتيت جزيئات المياه (المركبة) ويحللها ليسهل عملية امتصاصها.
يقول وهو يجلس في مشتل "العنب المر" بمنطقة الفخاري جنوب القطاع: "بسبب ملوحة الماء موسم العنب العام الماضي لم يكتب له النجاح، وكنت أفكر في ترك الزراعة".
ويضيف الشاب العشريني الحاصل على بكالوريوس من إحدى جامعات القطاع: "بعد استخدام الجهاز في مزرعتى تضاعف الإنتاج من حيث الثمار والنمو الخضري للأوراق".
ويتابع: "إن تجار العنب في القطاع يسارعون إلى شراء المحصول لجودته"، لافتًا إلى أن استخدام الجهاز قلل استخدام السماد الكيميائي بنسبة تراوح 60-70%.
ويبين أنه بحث عن الجدوى من الجهاز ليكتشف أنه بمنزلة العلاج السحري للمياه، لأن المياه كلما استعادت عناصرها أعطت المحصول جودة في الإنتاج من حيث الطعم والوزن واللون وطول قطف العنب، مشيرًا إلى أن نسبة السكر بقيت في الثمار كما هي. 
يقول عاشور: "سأزيد الرقعة الزراعية للعنب ثلاثة دونمات العام المقبل".
ويضيف: "السوق الفيصل بين من يستخدم الجهاز ومن لا يستخدمه، فالطعم والنضوج المبكر جعلاني أتحكم في السعر، وشعاري هذا العام: تذوق قبل أن تشتري".
وجهاز تكسير الأملاح المغناطيسي (أيونيزر) أو ما يعرف بالتقنية المغناطيسية في معالجة وتحلية المياه يؤدي دورًا كبيرًا ومهمًّا في علاج الملوحة، إذ أثبت عدد كبير من التجارب والبحوث العلمية التي أجريت على المستويين العالمي والمحلي جدوى وأهمية هذه الطريقة العلاجية، وقدرة الماء الممغنط على خاصية الذوبان وتفتيت الأملاح بنحو 50%، ما يسهل امتصاص الجذور له. 
ويقول الخبير الزراعي م. محمد أبو عودة: "إن واقع المياه في قطاع غزة من حيث الكم والنوع، دفع العديد من المزارعين إلى العزوف عن زراعة بعض المحاصيل "الضرورية"، نتيجة احتياجها لمياه ذات مواصفات معينة".
ويعتمد قطاع غزة على مياه الأمطار، وأثر التغيير المناخي على نسبة هذه الكميات، ما انعكس سلبًا على المخزون الجوفي. 
ويشير أبو عودة إلى أن الكميات الهائلة التي تسحب من الخزان الجوفي والسحب الجائر وغير المنضبط من الآبار، أديا إلى ازدياد تركيز الأملاح في الخزان الجوفي، و انخفاض منسوب المياه الجوفية، ودخول مياه البحر على المياه الجوفية، على طول الشريط الساحلي، لافتًا إلى أن ذلك ساهم في تغيير جغرافية الخريطة الزراعية بقطاع غزة.
ويضيف: "إن المزارعين تكبدوا كثيرًا من الخسائر (...) وفي حال نجحت عملية الزراعة في وسط مائي طبيعي (عالي الملوحة)، لا يتجاوز المحصول بسبب المياه 50% مما هو متوقع، ما دفع العديد من المزارعين إلى العزوف عن زراعة الأرض".
"من هنا، ومع التحذيرات المتزايدة من خطر العزوف عن زراعة بعض المزروعات التي من أساسيات المائدة الفلسطينية؛ كان لا بد من البحث عن بدائل لحل هذه الإشكالية التي باتت تتسع مع التدهور السريع للمياه" والكلام لأبو عودة.
ويبين أن جمعية التنمية الزراعية (الإغاثة الزراعية) سعت لحل هذه الإشكالية، إذ تمكنت من توفير جهاز تكسير الأملاح المغناطيسي (أيونيزر)، وذلك ضمن مشروع "تحسين وصول صغار المنتجين الفلسطينيين ضمن سلسلة القيمة لمحاصيل الفاكهة ذات القيمة العالية والمجترات الصغيرة"، بتمويل من وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية (تكامل).
ويلفت إلى أنه من أنجح الوسائل المستخدمة في إنقاذ المحاصيل الزراعية وتخفيف ملوحة المياه، إذ يعمل على تفتيت الأملاح بنسبة تصل إلى "50%"، ما أدى إلى زيادة في الإنتاج والنمو الخضري للأشتال التي رويت عبر جهاز مغنطة المياه. 
هل هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الجهاز بقطاع غزة؟، يفصح أبو عودة أنها المرة الأولى، وقد نفذت ذلك الإغاثة الزراعية، متابعًا: "في إطار المشروع، أُجريت تجربة عملية في منطقة الفخاري على مشتل "العنب المر" جنوب قطاع غزة، حيث محصول العنب الذي يحتاج إلى مياه عذبة، ومزارع عنب، ومزارع جوافة، وخضراوات، وتمثلت التجربة في التعرف إلى طبيعة عمل الجهاز بتكسير روابط الأملاح إلى أيونات يسهل امتصاصها لدى النبات، من طريق مغناطيس شديد المغنطة، وأثبتت التجربة نجاحها".
                                                                              نتائج واقعية
آلية عمل الجهاز يوضح أبو عودة أنها تتمثل في تدفق المياه بداخله في أثناء عملية الري، إذ يثبت على شبكة الري، وباستخدام هذه الآلية لوحظ أن النبات المروي عبر هذا الجهاز كان نموه الخضري كبيرًا، والثمار أكثر من تلك المروية بالمياه دون جهاز.
ويثني على عمل الجهاز والنتائج التي يحققها، ويعدّه "الحل الأمثل للقضاء على مشاكل ملوحة مياه الري والتربة ".
"أيضًا يصلح لجميع طرق الري، ويساهم في زيادة الإنتاجية ورفع جودة المزروعات" يضيف أبو عودة.
ويقر بنجاح تجربة عمل الجهاز، واصفًا إياها بأنها "تجربة فريدة ورائدة وتبشر بمستقبل زراعي من شأنه أن يرفع من معدل الزراعة في قطاع غزة".
ويلفت إلى عدة تجارب طُبقت خلال المشروع، كانت عبارة عن عمليات زراعية خارج نطاق الدفيئة الزراعية (منطقة مفتوحة)، وتجربة أخرى داخل الدفيئة، وكانت قطعة المشاهدة دونمًا، معلقًا: "إن نجاح هذه التجربة يؤسس لتجارب ومحاصيل أكثر، لا سيما أن العنب حقق هذه النتائج غير المتوقعة، التي من شأنها أن تبشر بنجاح أي محصول آخر".
ويضيف أبو عودة: "ومن التجربة يمكن القول إن المزارع إذا ما امتلك الجهاز، فإنه يستطيع زراعة أي من المحاصيل ذات الحساسية للملوحة العالية دون مشاكل، مع زيادة كبيرة في الإنتاج".
ويبشر المزارعين أنه بات بالإمكان باستخدام الجهاز العودة إلى زراعة أشجار الحمضيات، التي تراجعت تراجعًا كبيرًا في إثر تدهور المياه الناجم عن زيادة الملوحة.
ومن ميزات الجهاز -بحسب ما يؤكد- أنه يمكن تحييد أضرار كلوريد الصوديوم وإزالة الأملاح من حول جذور النبات، والقضاء على الطبقة الملحية المتراكمة على سطح التربة، كما يمكن الحصول على زيادة كمية المحصول بنسب تراوح 30-40%، حسب نوع المحصول وظروف الإنتاج، فضلًا عن الحصول على ثمار ذات جودة عالية في الطعم.
يضيف أبو عودة: "إن الجهاز من شأنه أن يحلّ مشكلة الترسبات الكلسية وانسداد النقاطات في شبكة الري، وكذلك المساعدة في استخدام مياه الري الغنية بالحديد دون الحاجة إلى تنظيف شبكة الري والنقاطات دوريًّا".
ويبين أنه بنجاح المشروع نسبة التصحر من شأنها أن تتراجع وتزداد الرقعة الزراعية، ويعود المزارعون إلى أراضيهم التي هجروا زراعتها بسبب زيادة الملوحة التي تتسبب في فشل عملية الزراعة. 
ويشبه الجهاز بطوق نجاة للأرض والمزارع والمحصول.
يتابع أبو عودة: "التجربة حققت نجاحًا كبيرًا بشهادة المؤسسات الدولية والأهلية ذات العلاقة التي حضرت وشاهدت التجارب، والعديد منها جلب مهندسين ومزارعين لمعاينة التجربة وتطبيقها في أماكن أخرى من قطاع غزة الذي يعاني ملوحة كبيرة في المياه".
ويختم: "هذه التجربة الرائدة حل مناسب لملوحة المياه التي لا تناسب عملية الزراعة، وستزيد من دخل المزارعين، خاصة أن الإنتاج مضاعف"، لافتًا إلى أن العمر الزمني للجهاز يصل إلى أكثر من عشرين عامًا.