هل تفرض مشكلة الضم المصالحة على أطراف الخصومة والانقسام؟! المنطق يقول: يجب أن تفرضها بشكل عاجل وبلا تأخير. والواقع يقول: إنها ما زالت بعيدة، وإن مشكلة الضم لم تخلق تقاربًا في القلوب، ولا وحدة في الإجراءات. السلطة وفتح تقاوم عملية الضم بطريقتها، وبآليات يفرضها واقع السلطة، ووجود الاحتلال في الضفة. وحماس تقاوم عملية الضم، ومعها فصائل المقاومة في غزة بطريقتها، وبآليات يقتضيها العمل المقاوم، وعدم وجود جيش صهيوني على أراضي غزة.
الأطراف تلتقي معا في الهدف، وفي مشروع الرفض، ويختلفون في آليات العمل، وأولويات العمل الذي يعبر عن الرفض، والذي يجسد المقاومة. وهذا بشكل عام جيد، ولكنه ناقص لأنه لا يحقق وحدة الصف، التي مدحها القرآن، بقوله: "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص". فتح وحماس لم تحققا حالة البنيان المرصوص، وهذه المخالفة تعوِّق ولا شك النصر، وتمنح العدو فرصة اللعب على الطرفين، وتأجيج الخصومة بينهم.
حين التقى العاروري مع الرجوب في مؤتمر صحفي ندد بالضم، استبشر المتابعون لهما في الضفة وغزة، وذكروا أن المؤتمر بسط أملا في آخر نفق المصالحة، ويجدر بالأطراف أن تسير باتجاه الأمل، وأن تعمل على تحقيقه. ولكن يبدو أن أطرافا في السلطة وفتح مترددة في الدخول إلى النفق، ومترددة في السير نحو الأمل.
بعد أيام من انقضاء المؤتمر وما صحبه من تغطية إعلامية إيجابية، لم تحدث خطوات أخر نحو تطويره، ومن ثمة حاول إسماعيل هنية أن يعطيه دفعة تطويرية حين تحدث عن لقاءات قيادية مهمة وواسعة مع فتح للعمل معا ضد الضم. فتح لم تعلق، والسلطة لم تجر تطويرا على لقاء العاروري الرجوب. وحالة الميدان في مدن الضفة وقراها ما تزال على حالها المقررة سلفا، والمسكونة بقمع حماس وأعمال المقاومة؟!
وهنا يجدر بنا تذكير الأطراف الفلسطينية أن حكومة تل أبيب لم تلغ الضم، ولم تتراجع عنه، وليس واردا عندها التراجع البتة، والمعلومات الواردة من الميدان في الضفة تقول إن (إسرائيل) تمارس الضم عمليا بدون إعلان. وإن حكومة نتنياهو تنتظر الوقت المناسب، وتنتظر الضوء الأخضر من البيت الأبيض، لذا يجدر بحماس وفتح العمل بمقتضى المنطق القائل: إن مشكلة الضم تفرض المصالحة، وحتى لا تدين الأجيال القادمة الأطراف القيادية، عليهم القيام بواجب المشاركة والمصالحة. نحن ننتظر، والتاريخ يسجل؟! وسنن الاستبدال تهدد الأطراف؟!