لم تهدأ الحرب الإسرائيلية على باب الرحمة منذ تفجّرت فصلًا جديدًا عام 2019 على أثر فتح المصلى في هبة باب الرحمة وأداء الصلاة فيه لأول مرة في 22/2/2019، بعد إغلاق فرضه الاحتلال استنادًا إلى قرار مزعوم من محكمة الاحتلال صدر عام 2003 بإغلاق المبنى على خلفية استعمال مكاتبه مقرًا للجنة التراث التي صنّفها الاحتلال منظّمة إرهابية.
وقد شكّلت هبة باب الرحمة ونتائجها ضربة قاسية بالنسبة إلى الاحتلال ومشروعه التهويدي في الأقصى، فسارع إلى لملمة تداعياتها محاولًا إعادة المشهد إلى الوضع الذي فرضه ابتداء من عام 2003، فكان التواصل مع المسؤولين الأردنيين ومحاولة للتوصّل إلى اتفاق إما لتحويل المبنى إلى مكاتب وإغلاقه تحت ذريعة حاجته إلى الترميم. لكنّ الأردن نفى أيّ اتفاق على إغلاق المبنى، وقال بيان للخارجية الأردنية، في 2019/3/17، إنّ "مبنى باب الرحمة، جزء أصيل من المسجد الأقصى المبارك، بمساحته البالغة 144 دونمًا"، وإنّ إدارة أوقاف القدس هي السلطة صاحبة الاختصاص الحصري في إدارة جميع شؤون الأقصى، وفقًا للقانون الدولي.
ومع فشل الجهود "الدبلوماسية"، كثف الاحتلال محاولاته لـ "استعادة" مصلى باب الرحمة إلى السيادة الإسرائيلية، فكان استهداف المصلين فيه بحملات الاعتقال والملاحقة، وطردهم من المنطقة الشّرقية التي فيها المبنى كي يتسنّى للمستوطنين أداء جولاتهم فيها، ومصادرة السّجاد والقواطع الخشبية الفاصلة بين الرجال والنساء وقت الصلاة، والخزائن، علاوة على اقتحام المكان بالأحذية ليؤكّد الاحتلال أنّه لا يعترف به على أنّه مصلى. واستمر الاستهداف بين خفوت وتصاعد كان واضحًا قبل اقتراب الذكرى السنوية الأولى لهبة باب الرحمة، حيث حاول الاحتلال تقويض الإنجاز ومنع الاحتفال به، لكن التصعيد في استهداف المرابطين والمرابطات لم يفت في عضدهم بل زادهم تمسكًا بباب الرحمة بما هو جزء من المسجد الأقصى وأن التّمسك بالجزء يؤكد التمسك بالكلّ، وأنّ الصراع في الأقصى يتطلب المحافظة على الإنجازات التي تحققها جماهير القدس ومنع الاحتلال من حيازة مكتسبات جديدة وفرض أمر واقع جديد يكرّس ضرب الوصاية الأردنية على المسجد.
وعاد الاحتلال إلى التصعيد على أثر عودة المصلين إلى الأقصى بعد حوالي شهرين من إغلاق المسجد بقرار من دائرة الأوقاف على خلفية تفشّي جائحة كورونا، فتركّزت الاعتداءات على المصلى وكان من بينها الاعتداء بالضرب، في 2020/6/21، على عدد من الفلسطينيات في باب الرحمة، واعتقالهن ومن ثم إصدار قرار بإبعادهن عن الأقصى، فيما بلغت قرارات الإبعاد عن القدس والأقصى 236 قرارًا في النصف الأول من عام 2020، وهي إبعادات من أهدافها إضعاف محاولات الدفاع عن باب الرحمة وعزل العنصر البشري الذي يشكل خطرًا على مشاريع الاحتلال ويحتمل أن يكون وقودًا لهبّة شعبية جديدة.
وفي خطوة تؤكّد أنّ الاحتلال لم يطوِ صفحة باب الرحمة وأنّه لا يزال متمسكًا بإغلاقه، سلمت شرطة الاحتلال أوقاف القدس قرارًا صادرًا عن محكمة الاحتلال بإغلاق لمصلى، وكشفت الهيئات الدينية في القدس عن هذا التطور في بيان صادر في 2020/7/13، أكدت فيه رفض قرار المحكمة، وأنّ باب الرحمة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وهو للمسلمين وحدهم، ولا تنازل عن ذرة تراب منه علاوة على تأكيد رفض اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية لأنها ليست ذات صلاحية أو اختصاص.
وصدرت بيانات وتصريحات رافضة لقرار الاحتلال، منها تصريحات لرئيس الهيئة الإسلامية الشيخ عكرمة صبري قال فيها إنّ باب الرحمة أرفع من أي قرار سياسي أو حكم لمحكمة الاحتلال فهي ليست صاحبة اختصاص، وليس من شأنها أن تبت أي موضوع له علاقة بالمسجد الأقصى. كذلك أكّد الشيخ صبري أنّ باب الرحمة سيبقى مفتوحًا ولن نسمح بإغلاقه. وقد علقت منظمة "طلاب لأجل المعبد" على رفض الشيخ عكرمة صبري قرار الإغلاق بالدعوة إلى طرد الأوقاف من القدس، واستعادة الأقصى وتحويل باب الرحمة إلى كنيس، وهي مطالب باتت "منظمات المعبد" تكرّرها علانية ومن دون أيّ تحفظات.
حرب الاحتلال على المسجد الأقصى مستمرَّة، يسعى إلى حسمها لمصلحته، وباب الرحمة أحد تجلِّياتها، والتصعيد إذ يتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة لهبة باب الأسباط التي جسَّدت فيها جماهير القدس معاني التصدي والمواجهة والصمود في وجه الاحتلال، فإنَّ مواجهته تحتاج إلى تحرُّك على الأرض يعزّز ما أكّـدته البيانات والتصريحات الصادرة حول باب الرحمة في الأيام القليلة الماضية، إذ إنّ الاحتلال الذي تراجع عمليًا في خطة الضم سيحاول فرض إنجاز في باب الرحمة، وقد لا تكون البيانات كافية لمنعه من ذلك.