فلسطين أون لاين

نساء القدس.. القابضات على جمر النضال

يحل اليوم العالمي للمرأة هذا العام فيما العالم يشهد مزيدًا من الأزمات والتحديات، التي تشهدها كل بقاع الأرض من دون استثناء، ومن دون تمييز بين النساء والرجال. لكن التحديات والمخاطر التي تواجهها المرأة الفلسطينية، لا سيما في القدس لها بعد آخر، إذ إنها مجبولة بسبعة عقود من الاحتلال، حاولت فيها (إسرائيل) سلب أهل الأرض مقومات الصمود، وأدوات المقاومة، لتكسر عزائمهم، وتستكمل طردهم من أرضهم، ولتحكم سيطرتها على القدس والأقصى وسائر المقدسات.

وهذا يجعل المرأة الفلسطينية أمام دور أكبر ومسؤولية أعظم تتأتى من ضرورة أن تبقي عينًا على الأرض وأخرى على العائلة، وكم من مرة ساومها الاحتلال على هذه أو تلك!

وفي القدس قصة المرأة لها خصوصية أكبر، فهي تواجه سيلاً من السياسات التي يفرضها الاحتلال على أهل القدس في سياق مشروع التهويد الذي يستهدف كل ما في المدينة من بشر، وحجر ومقدسات. ففي سياق المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى تقليص الوجود العربي في القدس إلى أدنى حد ممكن، ينفذ الاحتلال سلسلة من السياسات لتحقيق هذا الهدف.

وفي هذا الإطار تأتي سياسة حجب رخص البناء عن المقدسيين ما يدفعهم إلى البناء من دون ترخيص ومن ثم هدمها بذريعة مخالفة القانون. وتنعكس هذه السياسة على المرأة المقدسية التي تفقد بيتها وتشهد تشرد أسرتها وأبنائها، وفي كثير من الأحيان من دون إنذار يسمح للعائلة بترتيب أمورها.

يضاف إلى ذلك، سياسة دهم المنازل، لا سيما في جوف الليل، وتفتيشها وبعثرة محتوياتها، واعتقال أفراد من العائلة واقتيادهم إلى التحقيق، وفي بعض الأحيان اعتقال سيدات على خلفية اتهام أبنائهن بتنفيذ عمليات ضد الاحتلال. ومن الصعب أن نجد بيتًا في القدس لم يقدم أسيرة أو شهيدة، ويصعب كذلك أن نجد عائلة ليس فيها أم أسير أو أخت شهيد!

ووفق أرقام نادي الأسير الفلسطيني، اعتقل الاحتلال منذ عام 1967 أكثر من 16 ألف امرأة فلسطينية عرضهن لأبشع صور التنكيل والتعذيب في أثناء عمليات الاعتقال والتحقيق. ويبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات اليوم 43 بينهن 13 أسيرة مقدسية. ومن بين الأسيرات 27 أسيرة صدرت بحقهن أحكام متفاوتة بالسجن أعلاها الحكم بالسجن 16 عامًا الصادر بحق الأسيرتين شروق دويات، وهي من القدس، وشاتيلا أبو عياد من الداخل المحتل.

وقدمت القدس أولى الأسيرات عام 1967 وهي الأسيرة فاطمة برناوي التي تنسمت الحرية في عام 1977، في حين يبلغ عدد الأسيرات المقدسيات اليوم 13، ولعل أخطر الحالات هي الأسيرة إسراء جعابيص المعتقلة منذ عام 2015 بعدما أطلق عليها جنود الاحتلال النار على سيارتها فانفجرت أسطوانة غاز بداخلها وأصيبت إسراء بحروق خطيرة، في حين يحرمها الاحتلال من حقها في تلقي العلاج.

ولا يقتصر الأمر على الأسر والاعتقال والحرمان من الحق في السكن، بل إن اللائحة تطول ولا مجال هنا للإحاطة بكل سياسات الاحتلال، لكن لا بد من الإشارة إلى سياسة إلغاء الهوية المقدسية إضافة إلى منع لم الشمل وتداعيات ذلك على العائلات المقدسية، علاوة على سياسة إفقار المقدسيين، وكلها تنسحب بآثارها على النساء المقدسيات.

أما في ما يتعلق بالأقصى، فإن الاحتلال يطارد المرابطات ويمنعهن من دخول المسجد ولا تتورع قواته عن ضربهن وسحلهن في باحات المسجد وعند أبوابه لمنعهن من التصدي لاقتحامات المستوطنين واستفزازاتهم. وقد صعد الاحتلال وتيرة استهداف المرابطات مع عام 2015 عندما أصدرت الشرطة في آب من ذلك العام قائمة تضم أسماء 70 مرابطة ومنعهن من دخول المسجد بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين. ولم يلبث الاحتلال أن طور الاستهداف مع قرار وزير الجيش آنذاك موشيه يعالون بحظر ما سماه "تنظيمي المرابطين والمرابطات". ولم تتوقف الاعتداءات على المرابطات منذ ذلك الحين، ولا شك في أن هذا الاستهداف والتصعيد مرتبط بإدراك الاحتلال أهمية الدور الذي لعبته وتلعبه المقدسيات في الدفاع عن المقدسات.

ويبقى كل ما تقدم غيض من فيض ما تواجهه المرأة المقدسية، وجزء من المشهد الذي يفرضه الاحتلال في القدس؛ لكن على الرغم من كل ذلك، فإن ما تتمسك به المرأة في القدس هو الصمود في وجه سياسات التركيع، والثبات في وجه محاولات الاقتلاع، فهي تقف في وجه قوات الاحتلال التي تحاول منعها من التكبير في الأقصى وتؤكد أن الاحتلال لن يمنعها من الصلاة في المسجد، وهي كانت في قلب الحراك المقدسي في هبة باب الأسباط وفي هبة باب الرحمة، ولا تزال تواجه الاحتلال منذ انتفاضة القدس، مثلما كانت شريكة في النضال في انتفاضة الأقصى، وفي كل محطات الثورة والانتفاضة ومواجهة المحتل.

إن بطش الاحتلال وجبروته وسياساته لم يفت في عضد المرأة المقدسية ولم يثبط عزيمتها، حتى عندما يهدم الاحتلال بيتها ويشردها مع عائلتها، أو عندما يستشهد أبناؤها فداء للوطن فتراها تزداد تمسكًا بمقاومة الاحتلال والتصدي لما ينفذه من سياسات وهي في ذلك جديرة بأن تكون كل الأيام أيامها لما تؤسس له من نصر على طريق التحرير.