يُحكى أنّ هناك حراكا اجتماعيا معاكسا لحركة تغيير مجيدة لأمة العرب، كان يقوده شخص يدعى ابن سلول، شكّل معارضا يظهر في العلن أحيانا قليلة، ويعمل كثيرا في السرّ بمكر شديد يحبك خيوطه مع يهود المدينة وصناديد العرب.
ومع كرّ الأيام ومرور قرون من الزمان لا يفتأ ابن سلول الا ويعود الينا من جديد بحلله القشيبة وزينته الانيقة، وكما يطوّر فيروس كوفيد19 نفسه وكما هو الحال مع كل الفيروسات والميكروبات هو أيضا ابن سلول، ليس أقلّ منها ذكاء ولا أقلّ قدرة على التمحور والتطور والخروج بتجليات جديدة، تذهل العقول وتخطف الابصار، كان في نشأته الأولى يسلق بلسانه الحادّ حركة التغيير المجيدة التي تمرّ بها أمّة العرب، كان التحرّر على أشدّه وكانت هناك عملية نشطة دؤوبة لميلاد أمة سيكون لها شانها وستسود العالم بسنوات قلال، وكانت هناك مقاومة لجحافل الجاهلية والظلام والتثاقل الى الأرض والذلّة والمهانة والرضى بالدون من الناس والركون الى تقاليد بالية ترتكس فيها أمة العرب، حركة المقاومة تسير بخطى ثابتة وتراكم إنجازاتها وترفع من قدر الناس للخروج من شرنقة الظالمين المستبدّين ومن عبادة العباد كما قيل حينها الى عبادة ربّ العباد.
لم ترق لابن سلول حركة التحرّر الشاملة والعمل على تحقيق السيادة الحضارية الكاملة، فكانت في حينها أدواته قدرات لسانه على السلق الحادّ، والقادر على قلب الموازين والتلاعب بها بشكل مريع، فمثلا: من يرفع لواء العزّة ويعمل ليل نهار لتحقيقها في حياة الناس ولرفع شانها ولصناعة مجد حضاريّ تسود فيها هذه الامة على غيرها من الأمم، هؤلاء يجب أن يطلق عليهم وصف الاذلّ، بينما من يصرّ على البقاء في مراتع الجاهلية لا يعرف الا العصبية القبلية والتناحر والارتكاس النفسي الى درجة عبادة الصنم في مجتمع المدينة وتحكّم اليهود بأسواقها وارزاقها والرضى بسيادتهم على تناقض قبيلتي الاوس والخزرج ، هؤلاء عند ابن سلول هم الاعزّ، وبالتالي ينفخ البوق الإعلامي له بضرورة تحقيق المصالح العليا في المجتمع وهي اخراج الاعزّ منها الاذلّ.
هكذا يقلب المفاهيم ويضرب الخير كله بالشرّ كله بعد اطلاق تسمية الخير بالشر المطلقّ والشرّ بالخير المطلق، لا باس فهذا هو شان ابن سلول الذي يتقن صناعة المادة الإعلامية الى درجة توظيف المثل العربي ونحت الكلم وتصدير الصورة " سمّن كلبك يأكلك"، فالصورة هنا أن أهل المدينة هم صاحب الكلب العاقّ، ودعاة التحرّر والانعتاق من شرنقة الجاهلية وفساد ذاك الزمان هو هذا الكلب العاق. ابن سلول يتقن صناعة الاعلام وتصدير الصورة التي يريدها لقلب الأمور وتصوير الحق باطلا والباطل حقا.
على ذات النهج وبنفس هذه الكفاءة الإعلامية وروحها السامّة يخرج لنا ابن سلول هذه الأيام، نفس الالسنة الحادّة التي تسلق دعاة التحرّر والمقاومة، أضف لذلك أنه قد تحوّل على شكل مؤسسة ضخمة تملك المال الكثير وأدوات الاعلام الحديثة من فضائيات ومنصات إعلامية الكترونية كثيرة وذات صخب وجلبة، ابن سلول اليوم فريق عمل متكامل الأركان، فاذا كان في ذاك الزمان يتسلل الى بني قريظة وبني قينقاع فاليوم لا يحتاج الى هذا التسلّل، تأتيه التعليمات ويتلقّى الأوامر والتوجيهات عبر وسائل سريعة ونافذة، وكانت دوافع ابن سلول ذاك الزمان ذاتية وبتمويل ذاتي، اليوم دخلت عليه قوى إقليمية وعالمية بكل إمكاناتها لتسخرها بين يديه، أرصدة مالية مفتوحة وشاشات تضخ كلمة الاعز! في كل مكان لتصل كلّ الناس، خذ ما تريد وافعل ما نريد. فقط شغّل ماكينتك الإعلامية باسم عربيّ واضح المعالم قويّ البيان، انت عليك السّلق بلسانك الحادّ ونحن علينا كلّ شيء من لوجستيّاتها الى فضاءاتها الواسعة الانتشار.
فهذه المقاومة الفلسطينية الناجزة ما عليك إلا أن تحيطها بنقيق الضفادع المضادة وتجمع عليها كلّ ذباب الأرض ليسلقوها معك بألسنتهم الحادّة، اصنع يا ابن سلول من جديد ما كنت صانعه بالأمس فأنت القادر على اللعب بالمصطلحات والمشاعر، هذه صنعتك الإعلامية المجيدة، زيّن كذبك وأعده المرّة تلو المرّة ليصبح على أنه حقيقة، لا تخجل من كذبك فإن الكذب وسيلة مشروعة، اصنع من العبيد أسيادا ومن الفئران أسودا، شيطن هؤلاء الذين يقاومون وقد غرّهم دينهم واعتبروا ان لهم حقا في وطنهم ومقدساتهم، اجعل منهم شكل الكلب الذي سمّنه صاحبه فتطاول عليه واراد أن يأكله، اليس هم كذلك ينكرون الجميل! ولا يقبلون على تقبيل يد من امتدّت إليهم! ويسعون في الأرض فسادا وتشويشا لحياة بني إسرائيل؟
اجعل شعارك يا ابن سلول الجديد: ليخرجن الاعزّ منها الاذلّ. وإياك أن تسمّن كلبك فيأكلك.
وتقول الرواية التاريخية: إنه سرعان ما باء ابن سلول بفشله الذريع فخاب وخسر المعركة، كانت قوّة نور الحق حينها أقوى من كلّ ضجيجهم واعلامهم المفتري الكاذب.
وتقول أيضا إن عودة ابن سلول الجديدة بكل حلله القشيبة لم تعد خافية على أحد ولن يكون لها مصير الا ذاك المصير الذي واجهته أوّل مرة بإذن من الله ثم بيقظة أهل الحق وانتصار المقاومة.