لا يختلف اثنان على أن من أعظم الجرائم التي لحقت بالشعب الفلسطيني كانت اتفاقية أوسلو التي نسجت خيوطها بليل بهيم وعلى أنغام شيطانية سرت قشعريرتها في أجساد من وقعوها وهم يحاولون عبثًا أن يبثوا الدفء في علاقة محرمة أبى ثلج مدينة أوسلو أن يدفئها.
لم يكن ضمير الموقعين قد استحضر دماء آلاف الشهداء الذي سال حبًّا وعشقًا للأرض التي رواها، ولم يكن قد طاف على زنازين الأسرى الذين قدموا زهرات شبابهم على مذبح الحرية، ولم يكن قد خالط دموع أم ثكلى فقدت من كانت تعده سببًا لحياتها، ولم يتلمسوا بكاء صامت لطفل بلل وسادته بدموعه شوقًا لأبيه الشهيد، ولكن ضمائرهم بالتأكيد قد طافت بين العواصم العالمية، ونزلت في فنادقها الفارهة، وشربت من مترع كؤوسها البلورية، واستراحت في سيارتها الفارهة، وهيهات لضمير مستهلك أن يصمد أمام مغريات حياة الأضواء والفنادق والإعلام والسياسة، فكانت الوصفة الحرام التي سميت باسم العاصمة الباردة التي حُضرت فيها.
وكان من بين عتاة من سولت لهم أنفسهم أن يجالس المغتصب ليفاوضه في كيفية الاغتصاب ومدته ومداه، كان من ليس له من اسمه نصيب بكل مقاييس البشر، فلا هو يشبه العصافير في زقزقتها ولا هو يمت للحسن بشيء منه وإنما هو أقرب للغراب البشع الذي لا يحل إلا حيثما حل الخراب لينعق بصوته جالبًا الشؤم ونذير السوء وكأنه لعنة حلت بقضيتنا وشعبنا.
والغريب أن هذا البشع قد سمى نفسه أمدًا وكأنه يطمح لأن يكون قدرًا مبرمًا يحيق بقضيتنا وعلى طول المدى، فامتهن عداء المقاومة ومؤيديها وأنصارها ومارس التضليل والكذب باحترافية الشياطين التي تخرج من أصل الجحيم، مسخرًا كل ما نفثته نفسه الخبيثة من سموم ليشوه درب الطهارة البيضاء للشهادة والشهداء درب المقاومة والعزة التي ما أفلحت تعويذته الأوسلوية أن تمحوه.
كان بإمكان هذا البشع أن يتوب عن خطيئته التي جلبت الويلات والدمار للقضية الفلسطينية وأن يطوي نفسه في غياهب النسيان خجلًا وندمًا مما جنت يداه، ولكنها سمة الشيطان الذي عاهد نفسه على الإفساد مدى الحياة، (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، (لئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).
بهذه النفسية المريضة، وبعد أن لفظه سيده الأول، وولي نعمته التي انتشله من غياهب الشيوعية المظلمة المنسية إلى عالم الإعلام والسياسة، فعاهد نفسه ألَّا يعود لطي النسيان مرة أخرى فلجأ إلى سيد آخر ليكون له ذيلًا يتلوى خلفه كأفعى مبتورة الرأس يتقافز ذيلها بين شقوق الأرض ثم لا يلبث أن يسكن سكونه الأخير، ولكنه إلى ذلك الحين أقسم أنه سيمارس الكذب والإفساد برًّا منه بقسمه الأول الذي قطعه على نفسه حتى ولو لم يبقَ في خلجات نفسه إلا زفرة واحدة فسيطلقها ليسمم بها أجواء المقاومة الطاهرة التي وضعت اتفاقيته الجيفة تحت إقدامها ومضت تشق طريق الحرية والكرامة فيا أيها الأمدي الكاذب، إن العار الذي ألحقته بالشعب الفلسطيني لا يغسله اتفاق، ولا يجمله الكذب، ولا ينساه التاريخ، ولا يغفره الشعب، وكما هي النهاية المحتومة لإبليس الرجيم الذي أقسم بالإفساد والفساد ستكون نهايتك المحتومة أيضًا في الدنيا قبل الآخرة شأنك شأن من سبقك في درب الخزي والعار هناك حيث ينزوي كل مجرم أفاك لعين.