فلسطين أون لاين

حصلت على معدل 92.8%

أسيل الحاج أحمد.. العلم بصيرتها بعد فقد "حبيبتيها"

...
الزميلة هدى الدلو تحاور أسيل
غزة-هدى الدلو

في الدقائق الـ10 الأخيرة لم تستطع الطالبة الكفيفة أسيل الحاج أحمد أن تسيطر على رجفة يديها من التوتر والقلق، وأهلها حولها يحاولون تخفيف ذلك بعدّ الدقائق والثواني، وينتظرون على أحر من الجمر رسالة نصية تعلمها بمعدلها بعد تعب وسهر عام كامل.

قطع أخوها صمتهم ليخبرهم بعدما فتح باب بيتهم بكل قوته: "طلعت النتيجة 92.8%"، لم تسع الفرحة قلبها حتى شعرت بأنه سيتوقف عن النبض، رأت الفرحة باحتضانها وتقبيلها وزغاريد والدتها التي اخترقت طبلة أذنها.

"لم أشعر وقتها بنفسي، أريد فقط أن أرقص وأطير من الفرح، يا الله لو تعود لحظة إعلان النتائج مرة أخرى، وأعيش الشعور ذاته كل يوم، فرحة النجاح لا تساويها فرحة" تقول لصحيفة "فلسطين".

وتصف والدتها لحظة سماع النتيجة: "كانت صديقتي معي على الهاتف تريد الاطمئنان على نتيجة أسيل، وسمعت صوت ابني وهو يصرخ بالمعدل، فنسيت صديقتي على الهاتف وزغردت دون وعي، علمت حينها صديقتي بتفوق ابنتي دون معرفتها المعدل، هي لحظات جميلة، تعبر عنها تلقائيًّا".

وأدارت وجهها نحو أسيل وهي تبتسم لتتابع حديثها: "قبل النتائج كنت أحاول تهدئتها وقلت لها قد ما تجيبي يا أمي بركة من الله، فقطعتني، وقالت لا بنزلش معدلي عن 94%، أعلم أنها متفوقة ولكني لا أريدها تنصدم بمعدل لم تتوقعه، فلم ترحم نفسها طيلة العام، درست واجتهدت وسهرت الليالي"، ولهج لسان والدها لحظة سماعه النتيجة بالتكبير وحمد الله.

ولم تأل عائلتها المكونة من ثمانية أفراد جهدًا في توفير الجو المناسب لها، خاصة أن بيتهم صغير المساحة ومسقوف بألواح الأسبست، فكانا والداها يتركان غرفتهما الخاصة لها من أجل التركيز في الدراسة، بعيدًا عن ضوضاء الشارع.

وتوضح أسيل أن البيت غير مهيأ للدراسة، فمع أصوات رنين مطر الشتاء على الأسبست كانت تحاول التأقلم لتستطيع الدراسة والتركيز، أما في الصيف فلا تستطيع الدراسة حال انقطع التيار الكهربائي لحاجتها إلى مروحة كهربائية.

صعوبات

عقدت حاجبيها وهي تتحدث عن الصعوبات التي واجهتها في العام الدراسي، أولها محطة انتقالها من الدراسة في المدارس الخاصة بالمكفوفين إلى الحكومية، مضيفة: "كان الأمر صعبًا أن أتعامل فجأة مع طالبات مختلفات عن فئتي التي اعتدت التعامل معها طيلة الـ11 سنة الماضية، فالأمر احتاج إلى جهد مضاعف".

جميع زميلاتها منشغلات بالكتابة خلف المعلمة، أما هي فقد اعتمدت نظام تسجيل، وكانت تصطحب هاتفها المحمول معها إلى المدرسة بعدما استأذنت مديرتها بذلك، وأحيانًا تلجأ إلى استعارة كراسة زميلتها، لتعود إلى البيت وتعيد تدوين الحصص المدرسية من جديد.

تجلس أمها إلى جانبها وهي خلف آلة بريل وتقرأ لها ما دونته صديقتها في الكراسة، وبعدها تشرع في متابعة دروسها ومراجعتها، ومدة الإجازة الطارئة بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا لم تفارقها الهواجس والمخاوف من تأجيل الامتحانات، وبذلك سيضيع تعبها سدى.

وتتابع أسيل: "كنت خائفة من الامتحانات لوجود كاتبة بجانبي تكتب ما أمليه عليها، وهو نظام لم أعتده في السنوات الماضية، ولكن عملت مدرستي شادية أبو غزالة على تطبيق هذا النظام في الامتحانات النهائية للفصل الأول".

ولم تلتحق بأي درس خصوصي خلال العام الدراسي، لكونها لا تقتنع بها لأنها تشتت تركيزها، كما أنها لم ترد أن تثقل كاهل والدها العاطل عن العمل والمصاب بمرض شلل الأطفال، مع أنه أبدى استعداده في حال احتاجت.

والدتها كانت ترافقها يوميًّا في الامتحانات وتنتظرها حتى انتهائها لتعود بها إلى البيت، وكانت قد تعلمت لغة بريل لمتابعة ابنتها في مراحلها الدراسية الأولى.

وقد ولدت أسيل مبصرة العينين، ولكن أصابها مرض السرطان بعينيها في سن ثلاثة أشهر، لتجرى لهما عملية استئصال في سن سنة وسبعة شهور، وشفيت منه 12 عامًا، ليعود يصارع مجددًا جسدها بمكان آخر بين النخاع والمخ.

وقد أجرت لها والدتها فحوصات طبية ومسحًا ذريًّا، وأجلت الذهاب بها إلى الطبيب حتى إعلان النتائج، حتى لا تنغص فرحتهم.

ستلتحق أسيل بالجامعة لدراسة اللغة العربية، فهي المادة المفضلة لها التي كانت تستمتع بدراستها، وبها ستتمكن من تطوير موهبتها في كتابة الخواطر، ونصحت الطلبة المقبلين على الثانوية العامة بالمتابعة أولًا بأول، والإصرار على النجاح بإرادة قوية.