ثمة فرق كبير بين ما هو وطني، وما هو شخصي، أو عائلي. القضايا الوطنية تعالجها التنظيمات الوطنية والإسلامية، ولا تعالجها العوائل، ولا يعالجها الأفراد. هكذا كانت الأوضاع في الانتفاضتين الأولى والثانية. واليوم وبعد قيام السلطة الوطنية، لم يعد للفصائل والتنظيمات تدخل جوهري في ملف القضايا الوطنية ذات العلاقة بتهم التخابر وأمثالها، بل تقوم التنظيمات المختلفة بتقديم ما لديها من معلومات للأجهزة الأمنية الحكومية، والقضائية، ولا تباشر هي المحاسبة أو المحاكمة.
في الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة، كانت ثمة فصائل فاعلة في قضايا الشأن الوطني، ولم تكن ثمة سلطة، ولا قضاء، وكانت الأمور معقدة جدا في ظل الاحتلال وتداعياته. بعد قيام السلطة اتفقت الفصائل كلها على إغلاق ملف الاغتيالات التي وقعت في الانتفاضة الأولى، وقررت عدم السماح لأحد بفتحه مهما كانت حججه ومزاعمه. الملف مغلق بأمر الكل الوطني، ومن أجل المصالح الوطنية العليا.
ما حدث قبل يومين في محافظة رفح من اغتيال للمحرر جبر القيق على خلفية حدث كان في الانتفاضة الأولى، يتجاوز عمليا اغتيال القيق، ويذهب إلى فتح باب من الفتنة واسع، قد لا يغلق إلا بجريان بحر من الدماء. الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها. الاغتيال الذي حدث في رفح هو كما قالت الفصائل جريمة اعتداء على السلطة، والقانون، والمحاكم، وهو أخذ لسلطان القوة باليد والبندقية، وهو تفجير تحت أساسات المجتمع. وعلى جهات الاختصاص الحكومية وقف هذا السلوك، ومحاسبة من يتغول على القانون، وعلى سلطة القضاء، وعلى الفصائل مساعدة الحكومة في إحكام إغلاق هذا الملف المؤسف، ومنع العائلات والأفراد من فتحه.
وهنا أود أن أثني على بيان هيئة العشائر الوطنية التي أكدت على ضرورة إحكام إغلاق هذا الملف ومحاسبة من حاول فتحه، وتجاوز القانون والعرف، وخلط بين ما هو فصائلي، وما هو شخصي، عن قصد، أو عن غير قصد.
انتفاضة الحجارة مضت بخيرها وشرها، وقد كانت في جلها عملا وطنيا مسكونا بالخير، وليس مفيدا أن نقلب صفحات الماضي، ونحن نقف على عتبة أخطار أصعب وأنكى من أخطار ما مضى في عهد الانتفاضتين. أغلقوا ملف الاغتيالات القديمة، ولا تسمحوا لأحد بفتحه، وعجلوا بالإجراءات القانونية ضد من يأخذون القانون بأيديهم، ويهدمون بنيان السلطة والقانون. واحذروا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.