بغض النظر عن قومية الأطراف المتصارعة على أرض ليبيا، فإن الذي يجري في عرض البحر المتوسط من حشود للبوارج البحرية ليؤكد مقولة قائد الأسطول العثماني خير الدين بربروس، حين قال قبل أكثر من 500 عام: من يحكم البحار يحكم العالم.
لقد بدأت تركيا الجديدة مشوار السيطرة على البحر، فأطلقت اسم القائد البحري العثماني بربروس على إحدى مناوراتها البحرية التي ستجريها بعد أيام شرق المتوسط أمام السواحل الليبية، وفي التسمية دلالة القوة والنهوض أولاً، ودلالة العودة إلى الزمن الجميل، حين كان للدولة العثمانية الكلمة العليا، ولا سيما بعد أن استطاع بربروسا كما يسميه الغرب أن يهزم الأسطول الإسباني والبرتغالي واليوناني والإيطالي، واستطاع أن يحرر الجزائر، وأن يلحقها بالدولة العثمانية، وتأمين سلامة آلاف العرب المسلمين الفارين من محاكم التفتيش في إسبانيا.
وكأن التاريخ يعيد نفسه بأدق تفاصيل الأصدقاء والأعداء، فمع نهوض تركيا كقوة إقليمية بعد عودتها إلى تاريخها الإسلامي، راحت تفرض كلمتها، وترسم سياستها في أكثر من مجال، ضاربة بعرض الحائط كل الاحتجاجات والاعتراضات والانتقادات التي تعكس خوف الغرب من تنامي هذه القوة التي استرجعت مكانتها التاريخية والحضارية، فأطلقت اسم قائد الأسطول العثماني تورغوت باشا على اسم مناورة بحرية ثانية ستجريها بعد أيام شرق المتوسط.
تقول كتب التاريخ: بعد أن شعرت أوروبا بنمو قوة الدولة العثمانية، شكلت قوة عسكرية تحت اسم فرسان المعبد، أو فرسان مالطا، لتقطع الطريق أمام العثمانيين في التوسع أكثر، وقد ساعد الإسبان فرسان المعبد في السيطرة على طرابلس والسواحل الليبية، فما كان أمام الليبيين إلا طلب العون من السلطان العثماني سليمان القانوني الذي زود تورغوت باشا بقوة مكنته من تحرير طرابلس، وهزيمة فرسان مالطا، لتصير ليبيا ولاية عثمانية.
أما المناورة الثالثة التي ستجريها تركيا شرق المتوسط فتحمل اسم "تشاكا باى" وهو قائد وبحار السلاجقة في القرن الحادي عشر، وله تاريخ حافل بالانتصارات، وتأسيس الدولة، ونشر الحريات والعدل.
لقد رجع أردوغان بتركيا إلى الماضي العزيز، وهذه العودة ستجر على تركيا التحالفات المعادية، وستجبر تركيا على خوض معارك المستقبل بحذر وتروٍّ وإصرار، حتى وهي تسترجع مسجد آيا صوفيا الذي تحول إلى متحف طوال فترة تركيا العلمانية، فانهالت الانتقادات على تركيا العثمانية من أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا، ومن الكنيسة، رغم الأمر القضائي الذي انتظره أردوغان بعد 14 عاماً من المداولة.
الاعتراض الغربي والتدخل والغضب من قرار المحكمة إعادة افتتاح مسجد آيا صوفيا لا يختلف كثيراً عن الاعتراضات الغربية للمساعدات التي تقدمها تركيا لحكومة الوفاق في ليبيا، التي أغضبت اليونان وفرنسا وغيرهما، فراحوا يلوحون بالاشتباك الميداني، والتهديد بشن الغارات، بما في ذلك القيام بمناورات عسكرية في مواجهة المناورات التركية.
نبش البطولة والانتصارات من الماضي تحت راية الدولة العثمانية لا يخيف الشعوب العربية، فالذي استغاث في الماضي بالدولة العثمانية لتحميه من فرسان المعبد وسطوة الغزاة، هو نفسه الذي استغاث اليوم بتركيا لتحميه من بطش الأغراب وظلم الطغاة.