لن تنسى عائلة "ياغي" طفلها الرضيع عمر (9 أشهر) الذي توفي أمامها في 18 يونيو/حزيران الماضي، وهي عاجزة عن عمل أيّ شيء في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة.
الرضيع "عمر"، كان يعاني مرضًا عضالًا في قلبه، وحرمته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من مغادرة غزة لاستكمال علاجه في الخارج.
وأجرى الرضيع منذ ولادته ثلاث عمليات جراحية في القلب، وكان بحاجة للخروج من القطاع لإكمال علاجه غير المتوفر في غزة، لكن الاحتلال الإسرائيلي منعه من ذلك مرتين، بحسب ما يقول جده إياد (70 عاما).
ويضيف الجد لوكالة الأناضول: إن (إسرائيل) فعلت ذلك "بحجة وقف السلطة الفلسطينية التنسيق معها".
ويُحمّل ياغي الاحتلال الإسرائيلي "المسؤولية الكاملة عن وفاة حفيده"، داعيًا المجتمع الدولي، إلى "الوقوف على معاناة مرضى غزة".
الرضيع "ياغي"، واحد من عشرات الضحايا الذين فقدوا حياتهم من جراء حرمان الاحتلال الفلسطينيين المرضى من حقّهم في الوصول بحرية للعلاج غير الموجود في غزة، وذلك بفعل حصارها المفروض على القطاع منذ نحو 14 عاما.
ويضطر آلاف الفلسطينيين المرضى في غزة، للتوجه إلى مستشفيات في الضفة الغربية بما فيها القدس، أو أراضي الـ48 عبر حاجز بيت حانون (إيريز) الخاضع لسيطرة الاحتلال، لتلقّي العلاج، إلا أن الاحتلال في كثير من الأوقات يمتنع عن إصدار تصاريح تسمح للمرضى بالعبور والوصول إلى وجهتهم.
واليوم ازدادت المعاناة، إذ يشكو المرضى من الرفض الإسرائيلي المطلق لوصولهم للمستشفيات خارج غزة عبر الحاجز، بحجة وقف السلطة الفلسطينية التنسيق مع سلطات الاحتلال.
كانت قيادة السلطة قد قررت في 19 من مايو/ أيار الماضي، وقف كل أشكال العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها التنسيق الأمني، ردًا على نية (تل أبيب) ضم أجزاء من الضفة الغربية.
معاناة المرضى
الطفلة ميرا الفجم (4 أعوام) من مدينة خان يونس جنوبي القطاع، تعاني منذ 4 أشهر من ورم سرطاني في عينها اليُمنى، أفقدها البصر تمامًا في تلك العين، في حين انتقل الورم لدماغها، كما تقول والدتها مريم.
وتتخوف الوالدة من فقدان طفلتها البصر في عينها الثانية، أو أن تفقد حياتها من جراء انتشار الورم في الدماغ، كما حذرها بعض الأطباء.
وتعجز "ميرا" التي لا يوجد لها علاج داخل غزة عن مغادرة القطاع؛ بسبب المنع الإسرائيلي، على خلفية وقف السلطة للتنسيق المدني مع الاحتلال.
وتناشد العائلة المؤسسات الحقوقية والرسمية في "العمل الفوري لمساعدة ميرا في تلقي العلاج وإنقاذ حياتها".
وبسبب الآلام التي تشعر بها الطفلة ميرا، فإنها لا تستطيع النوم وقتًا طويلًا، بحسب ما تقول والدتها.
وببراءة الأطفال، تقول "ميرا"، لشقيقها عندما يحاول التخفيف عنها باللعب معها: "خذ عيني التي تؤلمني ولا أرى فيها، واستبدلها بواحدة جديدة وجميلة".
الطفلة "ميرا" ليست الوحيدة في عائلة الفجم التي تعاني مرض السرطان، ولا تتمكن من السفر للعلاج.
فجدّها "أبو عبد الله" يعاني هو الآخر انسدادًا في المرارة والكبد بفعل ورم سرطاني، ولا يوجد له علاج في غزة.
قصة "ميرا"، وجدّها المصابان بالسرطان، تلخص معاناة المرضى الذين لا يتوفر علاجهم بغزة، ويعيشون فقط على مسكّنات الآلام إن تمكنوا من توفيرها.
ويحول تردي الأوضاع الاقتصادية لعائلة الفجم دون توفير المسكّنات لمريضي السرطان في الكثير من الأوقات.
ويقول "عبدالله" عم "ميرا": إن والدها "يستدين في الكثير من الأحيان ثمن مسكّن الآلام".
كارثة إنسانية
ويحذر المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان في جنيف، من أن الرفض الإسرائيلي المطلق لإصدار تصاريح مرور لمرضى غزة بحجة وقف التنسيق، يُنذر بـ"وقوع كارثة إنسانية خطِرة بحق المرضى".
ويقول المستشار القانوني لدى المرصد محمد عماد: إن هذا الإجراء "مثير للقلق، خاصة أن مئات المرضى ممن هم بحاجة للعلاج خارج قطاع غزة باتت حياتهم مهددة".
ويعدّ عماد أن "التعنّت الإسرائيلي في السماح للمرضى باستكمال علاجهم في الخارج، هو جريمة تضاف لسلسلة جرائمها بحق سكان غزة".
ويشير إلى أن سلطات الاحتلال "عمدت منذ سنوات إلى التضييق على المرضى، وذلك بتأخير إصدار تصاريح مرورهم رغم توفير السلطة الفلسطينية التغطية المالية اللازمة".
ويضيف: "هذه السياسة المُمنهجة أدت إلى حرمان الآلاف من حقهم في الحصول على العلاج، ووفاة عشرات المرضى في أثناء انتظارهم الحصول على تصريح المرور".
ويلفت عماد إلى أن تلك الممارسات الإسرائيلية تتطلب محاكمة الاحتلال، وفقا لميثاق روما المشكّل للمحكمة الجنائية الدولية.
ويوضح أن "الممارسات الإسرائيلية تخالف العديد من المواثيق والقوانين الدولية، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كفل حق التنقل والحصول على الخدمات الصحية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
وسجل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وفاة ثلاثة مرضى في قطاع غزة منذ بداية 2020، بسبب منعهم من السفر والمماطلة بهذه الإجراءات.
وتشير بيانات المركز إلى أن سلطات الاحتلال منعت سفر نحو (51) ألف مريض من أصل (179) ألفا، و(746) طلبوا الخروج للعلاج في مستشفياتها أو بالأخرى الموجودة بالضفة الغربية، في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2008، وديسمبر/ كانون أول 2018.
في حين منع الاحتلال العام الماضي (35%) من مرضى غزة المحتاجين للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية أو مستشفيات الضفة الغربية، من التنقل عبر "إيرز".
وبحسب وزارة الصحة بغزة، فإن عام 2018 شهد وفاة (56) حالة، لم يسمح لها الاحتلال بالعلاج خارج غزة، في حين بقيت كثير من الحالات ذات الأمراض الصعبة، مثل الفشل الكلوي والسرطان تعاني داخل القطاع.