فلسطين أون لاين

توجيه الأبناء ورفع معنوياتهم.. مسؤولية تراكمية للأسرة

...
غزة-هدى الدلو

للأسرة دور فاعل في توجيه الأبناء وإرشادهم في رسم معالم المستقبل من واقع تجربة عايشوها، خاصة أن المستقبل المتميز والناجح للأبناء هو الحلم المستمر الذي لا يفارق الآباء، وهنا يكون الدور للوالدين في تقديم تصورات واقتراحات لحياة أفضل.

وتزداد أهمية هذا الدور في الحالة الفلسطينية ذات الخصوصية التي يفرضها واقع الاحتلال والحصار، وما يخلفه من ارتفاع في نسب الفقر والبطالة، فضلًا عن الجرائم ضد الإنسانية من أسر وقتل التي يرتكبها هذا الاحتلال.

"على الأهل أن ينظروا إلى أبنائهم أنهم رأس مالهم في الحياة، ومشروعهم في المستقبل، فهم امتداد لحياتهم بعد الممات، فإذا وعى الوالدان تلك القاعدة العريضة، فسيكونون بجانب أبنائهما في مشاكلهم"؛ بهذا يبدأ الاختصاصي الاجتماعي أحمد حمد حديثه مع صحيفة "فلسطين".

والأبناء أمانة في أعناق الآباء، لكن انشغالهم بضنك الحياة وفي سبيل توفير لقمة العيش والمال، وسعي الأم إلى تلبية احتياجات الأبناء والبيت، قد يجعلهم يغفلون عن الجانب الأهم للأبناء، الذي يتعلق بتوفير الرعاية والاهتمام، وصقل مهاراتهم؛ كما يقول حمد.

ويضيف: "على الآباء متابعة شئون أبنائهم يوميًّا؛ فهم مشروعهم الناجح في الحياة، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم الحياتية، وتقوية نقاط الضعف التي تؤدي إلى عجزهم عن حل المشكلات التي تواجههم".

ويبين أن ورود بعض الأفكار السلبية في ذهن الأبناء في بداية مرحلة الشباب سببه غياب توجيه الأهل في صقل هويتهم، الذي يجب العمل عليه منذ اللحظات الأولى، والتركيز على النواحي العلمية.

ويتابع حمد: "في حال فشل الأبناء في المجال العلمي هناك مجالات حياتية أخرى، ويجب الابتعاد عن الألفاظ التشاؤمية والأفكار السلبية التي تشعر الابن بالعجز، كوصمه بالفاشل".

ويوضح أنه يجب التعامل مع الابن بشكل تكاملي، وعدم عزله عن الأخبار اليومية، بل على الآباء مناقشتها مع الأبناء بطرح أسباب المشكلة وكيفية معالجتها وتحليل آرائهم ومعرفة كيفية تفكيرهم.

فلا بد من طرق كل الأبواب حسب المعطيات لتوعيتهم في حال مروا بموقف معين –يواصل حمد حديثه- فتلك ذخيرة ومهارات مستقبلية ضرورية لتقوية الاتصال والتواصل والحوار بين الطرفين.

وينبه إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون نسفت عند بعضٍ تلك المهارات والمبادئ، ما جعل الأبناء يستسلمون بسهولة للمشاكل التي تواجههم، وتتسبب في أزمة نفسية وتعليمية، نتيجة غياب توجيه الأهل لأبنائهم تجاه المستقبل.

ويدعو حمد الأهل لإجراء عصف ذهني لأبنائهم، بدلًا من تركهم يلجؤون إلى الإنترنت وما يحتويه من معلومات خطأ ولا تناسب طبيعة العادات والتقاليد، وتحديد المكان الذي يريد أن يصل إليه الابن ومساعدته على الوصول إليه، في العمل أو الدراسة، وعدم فرض شيء بعيد عن مهاراته بل ترك حرية للاختيار.

جوانب متعددة

بدوره يؤكد الاختصاصي النفسي د. إياد الشوربجي وجوب تحقيق النمو النفسي السليم للأبناء، وإشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية والمادية، التي يجب التركيز عليها منذ طفولتهم، والعلاقة السليمة مع الوالدين تتضمن إشباع جميع الجوانب.

ولضمان ذلك –حسبما يبين الشوربجي- لا بد من علاقة جيدة تجمع الوالدين، قائمة على التفاهم والحوار، لكونه ينعكس انعكاسًا كبيرًا على علاقتهما مع الأبناء، وتوافقهما على سياسة تربوية واضحة في التعامل معهم، وتدريبهم وتعليمهم المهارات الحياتية، مع معاقبتهم ومحاسبتهم على أخطائهم.

وينبه إلى أهمية توجيه الابن بالحوار والإقناع، والابتعاد عن الأساليب السلبية في التربية كالتسلط والقسوة، والدلال الزائد، والتمييز في المعاملة بين الأشقاء، والحرمان العاطفي، والعنف أشكاله كافة، وغيرها من الأخطاء.

ويحذر الشوربجي من أن ذلك يساهم بشكل أو آخر في إضعاف شخصية الابن، فتصبح هشة وضعيفة في المستقبل، وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والاضطرابات الشخصية، ولا تملك القدرة على مواجهة متطلبات الحياة وتقبل الأزمات وضغوطها.

ويوضح أن استخدام الأساليب الخطأ لا يمكنه من مواجهة أي حدث أو ظرف قاسٍ يواجهه في المستقبل؛ فيكون عرضة للإحباط واليأس، ويصبح شخصية انهزامية واتكالية، تنهار أمام التحديات، فلن يتمكن من إدارة الحياة والتعامل مع ضغوطاتها والأحداث اليومية والأزمات المالية.

ويبين أن هناك عوامل تقوي شخصية الأبناء، فلا بد من توافق الوالدين في إدارة الخلافات بعيدًا عن أعين الأبناء، ومحاولة عزلهم عن تلك البيئة، حتى لا يكونوا ضحية لها.

ويشير إلى ضرورة إشباع حاجات الابن النفسية من المعاملة الحسنة وتوفير الأمان وإشعاره به، والقبول والحب، وتوجيهه بأسلوب حكيم، والتركيز على الجانب العاطفي، وتدعيم ثقته بنفسه بمدحه وإشعاره بقيمته، وإيكال إليه بعض المسؤوليات.

أما في الجانب الروحي فيلفت الشوربجي إلى ضرورة ربط الابن بالمسجد والقرآن، وغرس القيم الإيجابية كالصدق والصبر والتحمل.

والقدوة لها أثر كبير، إذ يقول: "يجب أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم في التعامل مع المشاكل، والتخطيط للمستقبل على صعيد الدراسة والعمل، ومساعدتهم في رسم أهداف واقعية وتدريبهم على الوصول إليها".

وطبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء لها أثر في توجيه الأبناء نحو المستقبل، إذ تكون العلاقة بينهما إخوة وصداقة، قائمة على التفاهم والحوار، ومنحهم مساحة من الاستقلالية في حياتهم الخاصة، وفقًا لحديث الشوربجي.