فلسطين أون لاين

من بين أزيز الطَّائرات وشلَّال الدَّم..

طلبة "التوجيهي" بغزَّة يصارعون الوقت لاستدراك عامهم الدِّراسيِّ

...
طلبة "التوجيهي" بغزَّة يصارعون الوقت لاستدراك عامهم الدِّراسيِّ
خان يونس/مريم الشوبكي:

داخل خيمة معتمة يلفُّها النَّايلون الأسود من جميع الاتِّجاهات، في مواصي خان يونس، جلس يزن أبو ندى خلف طاولة خشبيَّة صنعها له والده من خشب "المشاطيح"، يسطع من فوق رأسه بصيص نور انطلق من ليد إنارة علَّقه على خشبة، لكي يتمكَّن من مذاكرة دروسه فلم يتبقَّ على خوضه لامتحانات الثَّانويَّة العامَّة الَّتي فاتته العام الماضي سوى أيَّام قليلة.

توتُّر وقلق علامات ظهرت جليَّةً على ملامح يزن فهو يصارع الوقت ما بين المذاكرة ومراجعة الدُّروس الَّتي تنشر عبر منصَّة التَّربية والتَّعليم، والحصول على دورس خصوصيَّةً في مادَّتي الرِّياضيَّات، واللُّغة الإنجليزيَّة، والفيزياء.

وكانت "التربية والتعليم"، أعلنت الاثنين الماضي، عن برنامج امتحان الثانوية العامة /الدورة الثالثة لطلبة غزة الموجودين في الخارج. ومن المقرر أنْ ينطلق الامتحان بتاريخ 25/1/2025 وحتى تاريخ 5/2/2025 حيث سجل له (523) طالبًا/ـةً يتوزعون على (22) دولة يتركز جلهم في جمهورية مصر العربية.

وأوضحت الوزارة، أن الامتحان يبدأ يومياً الساعة (9) صباحاً بتوقيت فلسطين؛ علماً أن قرابة (35) ألفاً من الطلبة الموجودين داخل غزة والذين لم يتمكنوا من التقدم للامتحان العام الماضي ملتحقون حالياً بالمدارس الافتراضية، حيث تواصل الوزارة الإعداد لعقد امتحان خاص بهم خلال شهر شباط المقبل.

يقول يزن لـ "فلسطين أون لاين": "لم يتسن لي الالتحاق ببرنامج التربية والتعليم لتقديم اختبارات الثانوية العامة لمن أنهى الصف 11 قبل الحرب الاسرائيلية عام 2023م، سوى منذ ثلاثة أشهر، فأكثر ما أخشاه عدم قدرتي على الإلمام بالمنهاج وبالتالي فشلي في اجتياز الاختبارات".

يضطر يزن إلى السير مشيًا على قدميه يوميا لمدة ساعة من أجل الوصول إلى خيمة تعليمية تابعة لإحدى المبادرات في مواصي خان يونس من أجل حضور حصص دراسية في بعض المواد.

ويضيف: " أكثر ما أعاني منه هو توفير الكتب المدرسية والملازم، وبعض الملخصات التي ينشرها بعض الأساتذة، حيث لا تتوفر في الأسواق الكتب، أما الملازم فسعرها مرتفع للغاية يصل  سعر الواحدة منها لمادة واحد فقط 20 دولارًا، وهذا ما لا تستطيع أسرتي توفيره".

ويبين يزن، أن جل دراسته تعتمد على توفر انترنت وهذا ما يمكنه توفيره طوال الوقت، حيث يضطر إلى الذهاب إلى مقهى لمدة ثلاث ساعات يوميًا من أجل تحميل الفيديوهات التوضيحية التي تنشر عبر منصات الوزارة، بدولار واحد يوميا، وهذا الأمر عبء مالي جديد يرهق كاهل عائلتي.

أما فاطمة بهلول تجاهد من أجل تهيئة الظروف من حولها قدر الإمكان لتعينها على مذاكرة دروسها، رغم ضجيج طائرات الاستطلاع، وصوت تحليقها المرعب على مستوى منخفض، وصوت الصواريخ التي تنهمر كل دقيقة بالقرب من بلدتها الزنة التي تعد حدودية.

تقول فاطمة لـ "فلسطين أون لاين": " تواصلت مع صديقات لي من أجل إمكانية توفير  الكتب لي وتمكنت من الحصول على بعضها، واشتريت كتب أخرى، وما لم اتمكن من توفيره اشتريت بعض الملازم والملخصات لها رغم ارتفاع ثمنها".

أكثر ما يؤرق فاطمة هي المذاكرة ليلًا حيث أن خيمتها تتحول الى"ثلاجة" في هذا البرد القارس، رغم الهدوء النسبي تحتاج إليه بعض يوم طويل من ضجيج المخيم، من أصوات لعب الأطفال، وتجمع النساء، والرجال لتعبئة جالونات مياه الشرب، والتنظيف.

وتشير فاطمة التي تضطر إلى ترك مذاكرة دروسها من أجل مساعدة والدتها في إشعال الحطب لكي تتمكن من الطهي عليه، و"إحماء فرن الطينة" لكي تخبز الخبز عليه.

وحول إمكانية استفادتها من الدروس التعليمية التي تنشر على منصات وزارة التربية والتعليم، وحضور المدارس الافتراضية، تؤكد أن الدراسة غير مجدية في ظل انقطاع الإنترنت لساعات طويلة، وردائة سرعته عند مجيئه.

ورغم كل ذلك تثابر فاطمة من أجل الالتحاق بالجامعة وتحقيق حلمها الذي طالما حدثت والدتها عنه وهو أن تصبح صحفية تنقل معاناة شعبها للعالم بأسره.

أما مرح قبلان اضطرتها ظروف الدراسة إلى ترك خيمة عائلتها في مواصي خان يونس، والعودة إلى ما تبقى من بيتها الذي دمر جزء كبير منه في بلدة عبسان، برفقة أخيها من أجل الالتحاق بمركز تعليمي قريب منها، والالتحاق بإحدى المبادرات التعليمية التي تمكنها من فهم بعض مواد المنهاج، بمساعدة مدرسين للصف الثاني عشر.

وتقول مرح لـ "فلسطين أون لاين": " تركي لعائلتي في المخيم مجازفة بحد ذاتها فصوت الصواريخ لا يهدأ، وقد سقط العديد منها بالقرب من غرفتي، ولكني يجب أن أفعل ذلك من أجل مستقبلي، حيث أحلم بانهاء الثانوية العامة والانتقال إلى مقاعد الدراسة الجامعية لدراسة اللغة الإنجليزية كما أحب".

وتشكو مرح من نفقات الدراسة المرتفعة، بدأ من شراء الكتب، والملازم، والملخصات، والقرطاسية، ناهيك عن ارتفاع أعسار بطاقات الانترنت اليومية، وشحن هاتفها وهاتف والدتها لتمكينها من مواصلة متابعة الشروحات، والفيديوهات التعليمية.

وكانت وزارة التربية والتعليم العالي أعلنت عن فتح باب التسجيل لطلاب قطاع غزة الذين اضطُروا إلى تأجيل تقديم امتحان الثانوية العامة؛ بسبب الظروف التي تعرّضوا لها نتيجة العدوان في العام الدراسي 2022/2023.

وقالت الوزارة في بيان لها، إن هذا الإعلان يخص الطلاب الذين أنهَوا الصف الـ 11 قبل العدوان، وكان من المفترض أن يتقدموا لامتحانات الثانوية العامة في العام 2023/2024.

وأشارت، إلى أن التسجيل سيتم لتمكين هؤلاء الطلاب من متابعة دراستهم عن بُعْد، والتحضير لدورة استثنائية خاصة بتقديم امتحانات الثانوية العامة.

وحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة دمر الاحتلال خلال الحرب 132 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و348 بشكل جزئي، كما استشهد 12780 طالبًا وطالبة خلال الحرب منهم أكثر من 430 من طلبة التوجيهي.