كان اللقاء الثنائي بين جبريل الرجوب بما يمثله من شخصية محورية في حركة فتح لها تأثيرها الخاص على سير الأحداث، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بما يمثله من رمزية وطنية، خطوة افتتاحية لحراك يجب أن يشق طريقه في بحر من الصعاب، ويكاد يكون الأمر أشبه بوضع حجر أساس لمشروع كبير، يأمل كل الفلسطينيين في تحقيقه على أرض الواقع، فإذا لم يتبع وضع حجر الأساس ببدء العمل الفعلي على الأرض ببناء المشروع، بقي الأمر مجرد عمل بروتوكولي احتفالي، مثل كثير من المشاريع الفاشلة التي بدأت وانتهت بحجر الأساس، الذي لم يُبنَ بعده ولو طوبة واحدة.
صحيح أن الشعب الفلسطيني ملَّ إلى حد الضجر من مشاريع المصالحة والوحدة والوفاق، ولكن إذا حسنت النوايا التي تحدث عنها الرجوب والعاروري، قد نلمس واقعاً جديداً على الأرض، ولسنا بحاجة للتذكير بأن المرحلة التي يمر بها شعبنا مرحلة مفصلية تحتاج إلى حشد كل الطاقات الوطنية لنتجاوزها، كما فعل شعبنا دائماً في كل الملمات.
ومن وجهة نظري أرى أن الخطوة الأولى التي يجب أن يتم العمل عليها كي لا يبقى اللقاء الافتتاحي مجرد لقاء بروتوكولي إعلامي خاوي المحتوى، أرى أن الخطوة الأولى هي تشكيل حكومة وحدة وطنية من حركتي حماس وفتح ومن يرغب من الفصائل، يكون برنامجها السياسي مواجهة الضم وتكريس دولة فلسطين على الأرض قانونياً وفعلياً، استكمالا للاعتراف الدولي بفلسطين كدولة.
صحيح أن هناك خلافات جوهرية بين الفصيلين الأكبرين حول أساس وجود هذه الدولة وحدودها ونظامها السياسي، ولكن أعتقد أن هذه المرحلة تقتضي الابتعاد عن الغوص في هذه التفاصيل الأيديولوجية، والبدء في العمل وفقاً للقواسم المشتركة التي شعرنا أنها موجودة لأول مرة كإطار سياسي للعمل، ولا أظن أن البرنامج السياسي الوطني المتفق عليه الآن بإجماع الفصائل (مواجهة الضم وتكريس الدولة) سيكون محل نقاش كبير بين المكونات الفلسطينية المختلفة، لذا لا بد من البدء الفوري بتشكيل هذه الحكومة "حكومة الوحدة الوطنية" والانطلاق نحو العمل الحثيث مع المجتمع الدولي والبعد الإقليمي لمواجهة الخطوة الصهيونية المتوقعة، التي نجحت المجهودات الفلسطينية سواء الدبلوماسية أو الشعبية حتى الآن بتأخيرها وليس وقفها، ولذلك فإن العمل المستمر واجب وطني لإفشال هذه الخطوة تماماً، كما أفشل شعبنا سابقا مشاريع عديدة لتصفية القضية الفلسطينية، كمشروع روابط القروي ومشروع التوطين في سيناء ومشروع الوطن البديل، ونستطيع القول إن هناك نجاحا ملحوظا على صعيد العمل الدبلوماسي في تحشيد الرأي العام العالمي ضد هذه الخطوة، ينبغي أن يواكبه تحرك شعبي واسع في الميدان، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إطلاق طاقات الشعب المكبوتة لأسباب سياسية لم تعد قائمة، استنادا لتوافق الحركتين على مواجهة الضم، وبالتالي فإن التحرك الشعبي سيأتي منسجما مع هذا التوافق، ولن يفسر على أنه ضد أي من سياسات الحركتين.
الأمر الآخر المتفق عليه فصائليا الذي يجب أن يجتمع حوله الكل الوطني ويعمل من أجله، هو تكريس قيام الدولة على الأرض ضمن ما تم الاتفاق عليه، للخــروج من المأزق المستحكم الذي أوقعنا أنفسنا فيه كفلسطينيين منــــذ عاـم 2007، والانطلاق نحــــو عمل فلسطــــــيني مشتــــرك، ينـــــهي حـــــالة الاستفراد الصهيوني في "جناحي الوطن" الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث لم تسلم طوال هذه الفترة الضفة الغربية من الاستيطان، ولم تسلم غزة من الحصار، في الوقت الذي كانت تهدر الجهود والطاقات الوطنية في المكايدات السياسية والمناكفات الداخلية، ما أعطى العدو فترة عمل ذهبية حقق خلالها إنجازات تاريخية، لم يكن يتصور أن ينجزها بهذه السهولة، في ظل غياب عمل فلسطيني فاعل ضد مخططات العدو، بل ربما كان الطرف الفلسطيني (من خلال المكايدات السياسية) من حيث يدري أو لا يدري عاملاً مساعداً في نجاح هذه المخططات على الأرض.
فإذا ما وضع قطار العمل الفلسطيني على سكته، فأعتقد أن قوة الدفع الفلسطيني لهذا القطار ستكون جبارة، بما يملك الشعب الفلسطيني من طاقات وإمكانات ما زالت مهـــــدرة على الأقـــــل منذ 15 عاماً، لست مع المشـــــككين فــــي النوايا ولا أميل لفكرة "اللعب مع الخصم" لاستغلال الظرف، وأرى أملاً يحتاج إلى عمل حقيقي كي نمسكه بأيدينا، ونصنع منه واقعاً، ولا نسمح لهذه البارقة بالتسرب من بين أيدينا، فما بقي في القوس منزع، وعلينا أن نكون على قدر المسئولية وإلا فلندعها لغيرنا.