فلسطين أون لاين

تقرير مكب جحر الديك.. "قنبلة موقوتة" تهدد بيئة المواطنين وصحتهم

...
غزة- صفاء عاشور

دخان كثيف لاحظه العديد من سكان غزة ومن حولها قبل أيام عدة، كان سببه نشوب حرائق في مكب نفايات جحر الديك شرقي المدينة، لا تزال البلدية تنفي علمها بالسبب الرئيس لها، رغم إشارتها إلى أنها قد تكون بفعل فاعل وليست ناتجة عن عمليات احتراق طبيعية.

وتسببت الحرائق بخسائر مالية كبيرة للبلدية وللجهات الخاصة التي أسهمت في إطفائها، والتي وصلت إلى نحو (100) ألف شيقل، إلا أن الضرر البيئي والصحي كان أكبر، وسيكون أكثر ضررًا في حال استمرت في فصل الصيف.

ومكب جحر الديك هو المكب الرئيس لبلدية غزة، ويمتد على مساحة تتراوح بين (100-120) دونم في أقصى شرق المدينة.

النباشون وعوامل طبيعية

منسق الإدارة العامة للصحة والبيئة في بلدية غزة أحمد أبو عبدو، أوضح أن كمية النفايات الموجودة في المكب تصل إلى (3) ملايين طن، حيث تورّد إليه نفايات غزة والشمال والوسطى بواقع (1000) طن يوميًّا، بمتوسط (25-30) ألف طن من النفايات الصلبة شهريًّا.

وأشار أبو عبدو إلى أن الحرائق التي كانت تنشب في المكب في أوقات سابقة، تعود إلى عمل بعض النباشين في المكب، والذين يلجؤون لحرق جزء منه للبحث عن قطع الحديد والنحاس، "وأحيانًا لأسباب طبيعية إذا ما كانت درجة الحرارة عالية، نتيجة اختلاط غاز الأكسجين مع غاز الميثان الصادر عن النفايات".

وذكر أن البلدية سعت خلال الفترة الماضية للعمل على وقف اشتعال المكب، لما يسببه من مكاره صحية كبيرة، خاصة أن تيار الهواء في فترة الليل ينقلب ليكون شرقيًّا غربيًّا، ومن ثم يتوجه الهواء إلى داخل القطاع.

وأشار أبو عبدو إلى أن شكاوى عديدة كانت تصل البلدية من المواطنين بسبب الرائحة التي يشتمونها نتيجة الحرائق، مبينًا أن البلدية سعت لحل المشكلة من خلال عمل ردم جزئي للمكب، وردم يومي للنفايات لمنع اشتعال الحرائق.

وأكد أن هذه الإجراءات تمت على مدار عشرة أشهر لم يحصل خلالها أيّ نوع من الحرائق، مستدركًا: "إلا أن هذه الحرائق عادت حرائق كبيرة وعلى مساحات واسعة وكلفت البلدية الكثير لإطفائها".

وذكر أبو عبدو أنه في الـ24 من شهر يونيو/حزيران الماضي نشب حريقان في الجزء الشمالي من المكب "لأسباب مجهولة وسيطرت عليه البلدية خلال ساعة".

وأردف: "وفي اليوم نفسه، وبعد ساعة ونصف من السيطرة على الحريق الأول، رصدت أعمدة دخان كثيفة من الناحية الشمالية للمكب وانتشر على مساحات واسعة وصلت إلى أكثر من (25) دونمًا من أصل (120) دونمًا من مساحة المكب".

وأوضح أبو عبدو أن (25) آلية تتبع البلدية شاركت في عملية الإطفاء، إلا أن الحريق كان أكبر من قدرات البلدية التي كانت معنية بإطفاء الحريق قبل غروب الشمس لعدم وجود تنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي على المكوث في المنطقة الشرقية، "لذلك طلبنا مساعدة الدفاع المدني حيث استمر العمل حتى منتصف الليل".

وشدد على أن بلدية غزة "ستضع حلولًا إبداعية لوقف أي عوامل أو تدخلات خارجية تتسبب في حدوث مثل هذه الحرائق التي إن استمرت ستكون مصدر قلق وإزعاج للسكان، وقد لا تتمكن البلدية من السيطرة عليها دائمًا بسبب قلة الموارد وشح الإمكانات".

لا تشتعل وحدها

من جانبه أوضح مدير دائرة حماية البيئة في سلطة جودة البيئة محمد مصلح أن مكبات النفايات لا تشتعل وحدها إذا ما قامت الجهات المسؤولة بعمل جميع الإجراءات المطلوبة، خاصة عمليات ردم النفايات.

وقال لـ"فلسطين": "راسلنا بلدية غزة منذ بداية العام لمنع نشوب حرائق، وكان مطلوبًا منها تغطية النفايات، ولكنها للأسف لم تنفذ المطلوب، متحججةً بعدم وجود سولار أو تعطل الآليات لديها".

وأضاف مصلح: "عادت سلطة جودة البيئة للتأكيد على البلدية بضرورة تغطية النفايات في المكب حتى لا تشتعل الحرائق، وتلحق ضررًا بالسكان المقيمين في تلك المنطقة، إلا أننا فوجئنا بحصول حرائق في الأيام الماضية داخل مكب جحر الديك شرقي مدينة غزة".

وبين أن سلطة جودة البيئة تراقب عمل المكبات والإجراءات التشغيلية لها في المكبات الرسمية مثل: جحر الديك، ومكب الوسطى، ومكب صوفا الجديد، من أجل التقليل من آثارها على البيئة وصحة المواطنين.

وأشار مصلح إلى أن النفايات الموجودة في المكبات هي مزيج لأكثر من صنف، فمنها: نفايات منزلية، ونفايات زراعية، وعلب مبيدات، وبقايا مواد مشتعلة، ونفايات أخرى متعددة المواد والتركيبات.

وأفاد بأن اشتعال هذه المواد الكيميائية والنفايات يؤدي إلى إطلاق العديد من الغازات الضارة بالبيئة وصحة المواطن، ومن هذه الغازات غازات حمراء مثل أكاسيد الكربون، وأكاسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، وهذه تُطلق بكميات كبيرة في الهواء الجوي عند اشتعال المكبات وتكون رائحتها نتنة.

وأوضح مصلح أن هذه الغازات تلحق ضررًا بالسكان، خاصة الحوامل والأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وغيرهم، لأنهم لا يستطيعون تنفس هواء ملوث بأكاسيد كيميائية شديدة.

أما على مستوى البيئة، فبين أن الهواء يمكن أن تعلق به جزيئات سامة تنتقل إلى التربة أو المياه الجوفية عند سقوط الأمطار، كما يمكن أن تستقر على بعض المسطحات المائية والبرك، ويمكن أن تنقل آثارًا ضارة لمن يلمسها.

ونبه مصلح إلى أن النباتات المزروعة في أراضٍ قريبة من المكبات التي تشهد حرائق مستمرة، يمكن أن نجد موادَّ كيميائية وغازات سامة رسبت على أسطحها، تؤدي إلى جفاف المجموع الخضري وربما موت النباتات فيما بعد.