يبدو أن مؤتمر حركتي حماس وفتح، الذي انعقد الخميس الماضي، بين القياديين الفلسطينيين صالح العاروري وجبريل الرجوب، قد يكون "بادرة حسن نية" للوصول إلى اتفاق قد يُفضي لتحقيق مصالحة وطنية وإنهاء الانقسام، وفق ما يرى مراقبون.
وجاء المؤتمر بعد عدة سنوات من الجمود السياسي بين الطرفين، بعدما وصل بهم الأمر إلى طريق شبه مسدود، وفي ظل مرحلة خطرة تمر بها القضية الفلسطينية، وسط انشغال عربي ودولي وإقليمي عنها.
ومن أبرز المخاطر التي تمر بها القضية، إعلان سلطات الاحتلال أنها تعتزم ضم أجزاء من الضفة الغربية والأغوار، في حين لاقى المؤتمر قبولًا فصائليًّا وشعبيًّا.
وأكد الرجوب والعاروري الاتفاق على إفشال مشروع الضم الإسرائيلي معًا، داعين كوادر الحركتين والشعب الفلسطيني للانخراط في كل فعل ميداني من أجل مواجهة المشاريع الإسرائيلية، وضرورة بلورة رؤية إستراتيجية موحدة لمواجهة المؤامرات الإسرائيلية.
ويترك هذا المؤتمر تساؤلات عديدة حول شكل المرحلة القادمة وطبيعة العلاقة بين الحركتين، خاصة أنه سبق ذلك عدّة لقاءات للوصول إلى اتفاق مشترك وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، لكنها تتعثر في كل مرة وتعود العلاقة بينهما أسوأ مما سبق.
مصالحة نهائية
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس د. أحمد رفيق عوض رأى أن المؤتمر "مهم" ويؤسس لمصالحة نهائية ويهيئ الأجواء ويجعل من إمكان الذهاب لمناقشة القضايا الأكثر أهمية سهلًا.
وأوضح عوض خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن المؤتمر من شأنه تخفيض التوتر في المجتمع الفلسطيني، لا سيَّما أن الحديث عن وحدة ميدانية قد تخلق شروطها من أجل الارتقاء لمصالحة كاملة.
وبحسب قوله، فإن المؤتمر عمليًّا يؤسس لتكامل الجهود في الميدان، معتبرًا إياه "بداية مشجعة للتقدم نحو إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام".
وأشار إلى أنه أوصل رسالة مهمة للاحتلال مفادها "ألَّا يلعب على فكرة الانقسام الفلسطيني، بهدف استخدامه في إحباط أي جهد فلسطيني نضالي"، لافتًا إلى أن الطرفين عرضا رؤية تتمثل في إقامة دولة كاملة على الأراضي المحتلة عام 67.
وتوّقع أن يكون شكل العلاقة بين الطرفين في المرحلة القادمة، تكاملية وتنسيقية بحيث لا يعطل أحدهما دور الآخر، والسعي نحو تدمير جهود بعضهما، داعيًا إياهما لاتخاذ خطوات عملية تترجم هذا العمل ووقف التراشق الإعلامي بينهما.
ووصف عوض المؤتمر بـ"الإيجابي" ويفتح أفقًا لتحقيق المصالحة، خاصة في ظل التحدير الكبير والخطر الذي يداهم القضية الفلسطينية، والذي لم يعد يحتمل المناكفات الحزبية.
وبيّن أن المؤتمر "لا يكفي" لكنه يخفف حدة التوتر بين الطرفين، لذلك يجب القيام بخطوات عملية، مثل الاتفاق على شكل المقاومة والجهود والتكامل وإظهار حسن النوايا.
ردة فعل
في حين يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في عُمان د. هاني البسوس، أن المؤتمر جاء "ردة فعل" على موضوع الضم ورسالة توجهها حركة فتح للاحتلال مفادها "أننا يمكن أن نتوحد مع حماس".
وقال البسوس خلال اتصال هاتفي مع "فلسطين": "لا يوجد هناك تغيير في العلاقات الداخلية بين الطرفين، لكن يُمكن أن يكون محاولة لإعطاء حماس نوع من الوجود الحقيقي البارز في الضفة".
وأوضح أن المؤتمر جاء في إطار إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، مستبعدًا إتمام المصالحة في ظل وجود شخصيات من "فتح" غير معنية بإنهاء الانقسام والشراكة مع "حماس"، مشيرًا إلى أن "الرجوب" لا يستطيع أن يخطو باتجاه إنهاء الانقسام في ظل وجود أقطاب غير معنية بالمصالحة.
وبحسب قوله فإن المؤتمر رسائل سياسية تصدرها "فتح" للمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي، بأن "حماس لو تصدت للاحتلال سنقف معها"، مستدركًا: "لكن أستبعد شراكة في الحراك الميداني، والأجهزة الأمنية لن تسمح بأي حراك لحماس في الضفة".
وفيما يتعلق بشكل المرحلة القادمة، رجّح البسوس، أن يذهب الاحتلال لضم أجزاء من الضفة وليس كما أعلن بنسبة 30%، وهو ما سيُعيد الأمور للمربع الأول في إمكان التصعيد وتسخين الوضع الميداني في غزة والضفة.
وأشار إلى أن التصعيد مرتبط بنسبة الضم ومدى رد فعل الفصائل وخاصة حماس في قطاع غزة.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن تأجيل موعد الضم الذي حدده بنفسه سابقا، والذي كان من المفترض أن يتم في الأول من شهر يوليو/تموز الجاري.
ويُعد قرار الضم ضمن بنود الصفقة التي أعلن عنها رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، في حين تُشير تقديرات فلسطينية إلى أن الضم يلتهم أكثر من 30% من مساحة الضفة.
ووفقًا لخرائط نشرت مؤخرًا، فإن الضم الإسرائيلي سيشمل 43 قرية وتجمعًا فلسطينيًّا بالضفة، من الأغوار إلى شمال غرب القدس وغرب رام الله يعيش في هذه المناطق ما يزيد على 106 آلاف فلسطيني.
إستراتيجية مواجهة
في حين رأى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن المؤتمر قد يكون مقدمة لبداية الاتفاق بين حركتي حماس وفتح على مواجهة سرقة الأرض في الضفة الغربية و"صفقة ترامب-نتنياهو".
وقال الصواف في حديث لصحيفة "فلسطين": أنا لست متشائمًا من هذا المؤتمر، بل على العكس، قد يكون هو الخطوة الأولى نحو بناء تحالف فصائلي فلسطيني، وهذه مقدمة للقاء الكل الفلسطيني على طاولة واحدة لوضع إستراتيجية المواجهة مع الاحتلال.
وأضاف: إن ما يثبت صدق النوايا لمواجهة مخططات الاحتلال، وتحقيق المصالحة هو الإجراءات العملية على أرض الواقع، لافتًا إلى أن ذلك يتطلب من رئيس السلطة محمود عباس الدعوة للقاء أمناء الفصائل على طاولة واحد كي يقرروا إستراتيجية مواجهة كمواجهة "صفقة ترامب-نتنياهو" وضم الضفة الغريبة.
تطبيق عملي
كما وصف الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة، مؤتمر العاروي والرجوب بالجيد "لكنه بحاجة إلى تطبيق عملي على أرض الواقع خاصة في ظل ما تتعرض له القضية الفلسطينية من تحديات خطِرة".
وقال عمايرة لصحيفة "فلسطين": إن المؤتمر المشترك مؤشر قوي وواضح على أن الطرفين أدركا أنه لا يمكن مواجهة خطة الضم انفراديًّا، ولا بد من تنسيق الجهود الفلسطينية لمواجهة مخطط ضم الضفة الغربية.
وأضاف: "إن انسجام العاروري ورجوب بالمواقف خلال المؤتمر، يدلل على أننا مقبلون على مرحلة جديدة في مواجهة مخططات الاحتلال"، مشددًا على ضرورة ترجمة نتائج اللقاء على أرض الواقع.
وأكمل: "إن المصالحة مصلحة وطنية وأن الاحتلال هو الخاسر الوحيد من تحقيقها، فـ(إسرائيل) تستغل الانقسام لتحقيق مصالحها كسلب مزيد من الأراضي الفلسطينية.
ورأى أن الجميع له مصلحة وطنية في التوحد من أجل مواجهة مشروع الضم و"صفقة ترامب-نتنياهو" التي تستهدف شعبنا وقضيتنا والتي تبدأ بتنفيذ مشروع الضم وترحيل الفلسطينيين.
توقيت مهم
في حين رأى الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، أن توقيت عقد المؤتمر غاية في الأهمية خاصة أنه يأتي في ظل الحديث عن ضم الضفة الغربية والأغوار واستشعار أن المواجهة يجب أن تكون بشراكة الطرفين.
وقال الريماوي: "إن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وضع خطوط لإستراتيجية عامة لمواجهة الاحتلال دمجت أدوات السلطة مع المقاومة كحالة إسناد وفعل ميداني مهم لتعزيز الموقف الفلسطيني".
وأضاف: "أعطى العاروري، مساحة مهمة لنزع أي توجس للسلطة من حماس، وأن الرجوب كان واضحًا في الترحيب بما قاله العاروري"، مؤكدًا أن الروح المتبادلة والإيجابية بين الطرفين قد تخط طريقًا للخروج من المأزق.
وبين الريماوي أن اللقاء أكد نية العمل المشترك في مواجهة الضم، مع التأكيد بأن الجانبين لا يمكن لأحد منهما تجاوز الآخر، في ظل الاستشعار بالخطر من قبل الجانبين حماس وفتح واستشعار إلى خطورة المرحلة القادمة.
وأكمل: إن اللقاء بين حماس وفتح بجاجة إلى فعل عملي على الأرض، من خلال بناء منطق وحدوي لمواجهة الاحتلال الذي رفع سقف المواجهة إلى الذروة.