في كتابهما "شرقٌ أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل: نهجٌ جديد لنزع الأسلحة A Middle East Free of Weapons of Mass Destruction: A New Approach to Non-Proliferation"؛ يُقدّم سيد حسين موسافيان وعماد كيايي نظرةً مدروسة ومستنيرة على "أساليب جديدة لإحياء دعوات إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط".
طُرِحَت فكرة منطقة الشرق الأوسط الخالية من أسلحة الدمار الشامل في عام 1990، وظهرت بشكلٍ بارز على جدول أعمال كافة مؤتمرات المراجعة لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. ومن شأن هذه المنطقة المنزوعة من أسلحة الدمار الشامل أن تضع الشرق الأوسط على قدم المساواة مع أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا، ومنطقة المحيط الهادئ، وآسيا الوسطى. حيث أقامت جميعها مناطق خالية من الأسلحة النووية، مع مصادر فعّالة للضغط على الأقران من أجل احترام المصلحة المشتركة.
نحو نهج شمولي
تحتاج الفكرة إلى إحياء، لأنّ الولايات المتحدة و(إسرائيل) أحبطتا منذ وقتٍ طويل كل محاولات التقدّم في اتجاه إقامة منطقةٍ مماثلة داخل الشرق الأوسط. و(إسرائيل) هي واحدةٌ من عدة دول أعضاء في الأمم المتحدة لم تُوقّع حتى الآن على معاهد الحدّ من انتشار الأسلحة النووية. ويُعتقد أنّها صنّعت عشرات الرؤوس النووية، ولم تبدِ أيّ استعدادٍ لتفكيكها.
ويُفضّل المؤلفان "أسلوباً جديداً" شمولياً. إذ ينظران إلى منطقة الشرق الأوسط الخالية من الرؤوس النووية باعتبارها الجائزة التي تنتظر العالم في نهاية محاولاته للحل التقدّمي، بعد سنوات تكاثرت فيها أسباب الاستياء، ومصادر عدم الثقة، والتنافس، والعداوات، وتصوّرات التهديد التي جعلت من الشرق الأوسط المنطقة الأقل استقراراً خلال العقود الأخيرة.
ويُركّز جزءٌ كبير من الكتاب المستنير على وصف جذور عدم الاستقرار الحالي في المنطقة، مع روايات تاريخية وتحليلية حول علاقة إيران غير المستقرة مع العديد من جيرانها العرب، والبرامج النووية الإيرانية والإسرائيلية، والاتفاقية النووية لعام 2015، واستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وظهور خطر استحواذ "الإرهابيين" على أسلحة دمار شامل.
ويحق للمؤلفين دون شك الترويج لهذا النهج الشمولي. إذ يستحيل تخيّل أن تُدمّر (إسرائيل) أسلحتها النووية، والكيماوية، والبيولوجية طالما ما يزال الشرق الأوسط يُعاني من التوترات والصراعات الحادة.
تعاونٌ أمني
كان من المثير للاهتمام لو حلّل المؤلفان إيجابيات وسلبيات نهجٍ بديل لنهج الخطوة بخطوة من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط: دبلوماسية المؤتمرات. والنموذج التاريخ المتصل هنا هو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
إذ أصدر المؤتمر وثيقة هلسنكي النهائية في عام 1975، وهي الوثيقة التي أسهمت بعد 15 سنة في التوصّل إلى اتفاقية القوات المسلحة التقليدية في أوروبا وإنهاء الحرب الباردة. كما أدّت الوثيقة إلى تشكيل مؤسسة دائمة، هي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وستتطرّق منظمة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط إلى إحدى خصوصيات المنطقة: التي تفتقر إلى مؤسسة مثل منظمة الولايات المتحدة، والاتحاد الإفريقي، أو رابطة دول جنوب شرق آسيا.
ولا شك أنّ المؤلفين بحثا هذا الخيار قبل أن يتجاهلاه لعدم واقعيته. وهما يدركان تماماً أهمية ترتيبات التعاون الأمني بوصفها حجر زاوية بارزاً على طريق إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. لكنّهما فضّلا بدلاً من ذلك استكشاف فكرة الخيار "دون الإقليمي": ترتيبٌ خليجي للأمن والتعاون.
وتعتمد إمكانية تطبيق نهجٍ إقليمي لبناء الأمن جزئياً على موقف القوى الخارجية. إذ سيتطلّب الأمر حصول الولايات المتحدة وروسيا والصين على أسباب لترويج الفكرة والاستعداد لتقديم الضمانات الأمنية في مرحلةٍ لاحقة. كما سيتطلّب الأمر انفتاح إيران و(إسرائيل) على فكرة إجراء محادثات، وهو العامل الغائب منذ فترةٍ طويلة.
عواقب وخيمة
من الأفكار الأخرى المثيرة للاهتمام التي بحثها المؤلفان كانت فكرة فرض حظر ديني على حيازة واستخدام أسلحة الدمار الشامل في كافة أرجاء المنطقة. وترجع جذور الفكرة إلى الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى الإيراني ضد استخدام الأسلحة النووية. إذ كان هناك ميلٌ غربي لاعتبار هذه الفتوى مجرد حيلةٍ لتحسين الصورة، في وجود أدلةٍ على أنّ إيران أجرت أبحاثها على تصميم وتصنيع الأسلحة النووية قبل عام 2004. لكن المؤلفين لهما وجهة نظرٍ مُختلفة وتستحق الاهتمام.
كما يُذكّرنا المؤلفان بأنّ التقاعس ستكون له عواقب وخيمة. إذ ذكر الأمير السعودي تركي الفيصل ذات مرة أنّ السعودية يجب أن تبحث كافة الخيارات، بما فيها الحصول على أسلحة الدمار الشامل، في حال فشل جميع جهود إقناع (إسرائيل) بالتخلّص من أسلحتها ومنع إيران من الحصول عليها.
وهذا كتابٌ غنيٌ بالأفكار. والمؤلفان على دراية واسعة بالشرق الأوسط من الداخل، كما مارس أحدهما الدبلوماسية على أعلى المستويات في المنطقة. مما يجعل أفكارهما ذات قيمة كبيرة. ويبدو أنّ تحرير الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل في الوقت الحالي هو أشبه بـ"مهمةٍ ضخمة" وفقاً للمؤلفين، لكن التصرّف المنطقي هو التحرّك عن طريق علاج مصادر عدم الأمن.