أزعم أنّي أعرف تماما طريقة تفكير الشيخ صالح العاروري، ليس تكهنا وإنما لأني عايشته طويلا وناقشته كثيرا في السجون، فالرجل استراتيجي التفكير، بعيد النظر، يفكّر بمآلات الأمور ومقاصدها ومراميها وأهدافها وفي الوقت نفسه يدرك الوسائل والطرق وفق الممكن المتاح التي تسهّل له دروبها الشاقة ووعورة أحوالها، مبدئي صلب وفي ذات الوقت براغماتي مرن، ينظر بعمق ويسبر غور الأمور ليُخرج منها خير ما فيها ويعرف كيف يحرّر الايجابيّ ويركّز عليه ويعرف كذلك كيف يتجاوز ويتجنّب كلّ سلبي أو كلّ ما فيه من باطل وزيغ.
العاروري عنده مرتكزات مفصلية مهمّة لا يبتعد عنها أبدا منها على سبيل المثال: الوحدة الفلسطينية بين فصائل العمل المقاوم ضرورة لإنجاح مشروع التحرّر وهو الهواء الذي تتنفّسه القضية الفلسطينية، تختنق وتذوب وتتراجع حالة غياب هذه الوحدة، ويرى أيضا أن الثقل المركزي لقضية فلسطين في القدس والضفة الغربية فلا بدّ من تركيز الجهود على هذه المساحة الأهم، ومن مرتكزاته السياسية الأهم أيضا رؤيته للشراكة السياسية وضرورة الانفتاح والاستيعاب لكلّ العاملين على الساحة الفلسطينية على قاعدة الشراكة الحقيقية بعيدا عن الاستحواذ أو الاقصاء والتهميش.
الرجوب أيضا يدرك بعد كل ّهذه التجارب السياسية المريرة ضرورة الشراكة السياسية الحقيقية على برنامج وطني يجتمع عليه كل الفرقاء السياسيين، الرجوب واضح وصريح ويلقي بما يريد دون مواربة وهو الان في وضع لا يحسد عليه بين فكّي كمّاشة ولكن لديه إرادة وطنية قويّة لتجاوز كل الألغام والسعي قدما واتباع هذه الخطوة بخطوات توصلنا الى التحرّر من الانقسام والاجتماع على كلمة سواء، هي الان الردّ المناسب على غطرسة الاحتلال بمنهجية محدّدة بعيدا عن ردود الأفعال التي لا تترك أثرا إلا في لحظتها العابرة.
أعتقد أن الرجلين قادران على صياغة خارطة طريق للخروج من الحالة التي وصلت قضيتنا إليها، وهما ليسا وحدهما وإنما سيجدان كلّ أحرار فلسطين معهما بالباع والذراع، صحيح في البداية هما يحتاجان لبلورة خطة عمل وهذه لا بدّ لها من تضافر جهود واسعة ونوعية، الرجلان قادران على قيادة حراك فاعل وناجح خاصة أن الوضع الفلسطيني برمّته أصبح في حالة غير مسبوقة من الخطر على كلّ مكونات وجوده واستمراره وصموده، لسنا في حالة من الترف السياسي والوقت لا يحتمل.
فعدوّنا يتقدّم مسرعا في التوغّل في مقدساتنا وحقوقنا، لقد كشف عن أنيابه السوداء التي لا تحتمل منا إلا رص الصفوف وتكثيف جهودنا في برنامج موحّد يراعي قواعد اشتباك ممكنة وفاعلة توقف هذا الاحتلال وتضع حدّا لهذه الغطرسة غير المسبوقة.