فلسطين أون لاين

بين الطهارة والنجاسة.. أمريكا إلى أين؟

منذ 244 عامًا أُعلن استقلال دولة الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا "العظمى" بعد ثورة عارمة كان شعارها: (الحرية – المساواة – الإخاء)، وقد استحقت الإعجاب والتقدير من كل أحرار العالم.

وعبّر قائد ثورتها جورج واشنطن -آنذاك- عن بالغ الشكر والامتنان، إلى الدول التي أيّدت وساندت ثورة بلاده التحريرية.

هنا نقف وقفة تأمُّل سجلتها الوقائع التاريخية والسياسية في حينها؛ ذلك أن دولتين عربيتين كانتا مستقلتين آنذاك؛ هما: عُمان والمغرب وقفتا إلى جانب الثورة الأمريكية في حين بقية الأقطار العربية كانت ولايات عثمانية مرتبطة بسياسة الدولة العثمانية التي كانت مشغولة بالتصدي لأطماع الدولة الأوروبية الاستعمارية فيها.

جو الحرية والمساواة والإخاء

أُعلن استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا في الرابع من تموز/يوليو 1776م، وقد تبنّت الاستقلال 13 مستعمرة شرقي نهر المسيسبي.

 وقد جاء الحدث في جو من الطهر والنقاء الثوري، أثلج صدور كل عشاق الحرية؛ ليس في أمريكا فحسب، بل في كل الساحات المعادية للاستعمار.

الأهم في هذا أن الأيدي اليهودية لم تكن ذات شأن يذكر، وأن الصهيونية كانت لم تتبلور أسسها بعد، وبهذا لم تعد هذه الولايات جزءًا من الإمبراطورية البريطانية. وقد عُد إعلان الاستقلال تفسيرًا رسميًا لأسباب تصويت الكونغرس وتم إقراره بعد نحو شهر، بعد سرد العديد من المظالم ضد بريطانيا في شخص الملك "جورج الثالث"، بقضية تبرير الثورة.

 ومن أهم ما يذكر أن هذه الوثيقة أو الإعلان تضمنت بيانًا لحقوق الإنسان جاء فيه: إن جميع البشر خلقوا متساويين، وأنهم وهبوا من خالقهم حقوقًا غير قابلة للتصرف، وأن من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة. وقد جاءت هذه الجملة الأهم في التاريخ الأمريكي للدفاع عن حقوق المظلومين والمهمشين من الشعوب، وأصبحت تمثل المعيار الأخلاقي الذي تدافع عنه الولايات المتحدة، وقد أثّر ذلك في أحد أبرز قادة أمريكا إبراهام لنكولن الذي اشتهر كمحرر للعبيد، وكأبرز من حذروا من الخطر اليهودي، ووجوده في أمريكا.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة ينتهي فيها الاستعمار.

وقد كانت المغرب – بعد قرابة عام على إعلان الاستقلال – أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة؛ وذلك في عهد السلطان مولاي "محمد بن عبدالله العلوي"؛ كما أن سلطنة مسقط وعمان كانت قد ساندت الثورة الأمريكية بالسلاح والمال والتأييد السياسي، كما أنها أول دولة في نصف الكرة الشرقي تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدولة الأمريكية الوليدة وتبعث إليها سفيرًا عام 1940، هو أحمد بن نعمان الكعبي، وقد حملته السفينة العمانية "سالمة" التي لا تزال شاهدة أمام وزارة التراث في مسقط على عمق العلاقة بين البلدين الصديقين. واستمرارًا في هذا السياق استقبلت العاصمة العمانية مسقط أول مبعوث أمريكي إلى خارج القارة الأمريكية، وهو أندرو جاكسون، أحد رجال مرحلة الاستقلال، وقد استقبله السيد سعيد بن سلطان آل بو سعيد، سلطان مسقط وعمان 1833، وقد وقع معه أول معاهدة بين السلطنة وأمريكا احتذي بها مع بريطانيا وفرنسا لاحقًا.

وفي عهد السلطان تركي بن سعيد استقبلت السلطنة عام 1876 بمناسبة مرور الذكري المئوية لاستقلال أمريكا الرئيس الأمريكي أندرو جونسون، الذي قدم ليعبر للشعب العربي في عمان عن الشكر والتقدير على ما قدمته السلطنة من مساندة وتأييد للثورة الأمريكية.

وفي غمرة الحفاوة والترحيب بهذه الزيارة التي لم تسبق لرئيس أمريكي أن يقوم بها خارج القارة الأمريكية، وقد شهد على مبلغ الحضارة والعمران والرفاه، حتى أنه طلب المساعدة الفنية لقهر صحراء نيفادا والأريزونا اللتين تقعان بين شرق الولايات المتحدة وغربها، في وقت لم تكن فيه سيارات، أو قطارات أو وسائل نقل، فما كان من السلطان إلا أن قدم أكبر مساعدة من نوعها في ذلك الوقت، لقهر الصحراء، وهي عبارة عن 200 جمل مع رعاتها، حُملت علي سفن عمانية الي أمريكا، لتؤلف قوافل لنقل البضائع والركاب بين غرب وشرق الولايات المتحدة.

وخلد الأمريكان هذه المساندة الفنية، بإقامة تمثال للجمل العربي، مازال قائمًا على الطريق الصحراوي في الأريزونا شاهدًا على هذه المساعدة التي اعتبرت أكبر مساعدة من نوعها في ذلك الوقت.

أما وقد نشبت الحرب الأهلية الأمريكية بين الولايات الاتحادية شرق المسيسبي والولايات الانفصالية؛ فقد قام أحد رعاة الإبل العماني يوسف الهناوي- وقد كان يحسن اقتفاء الأثر- بمساعدة القوات الاتحادية من خلال تتبع أثر الثوار، فكان كما لو أنه غرفة إنذار مبكر أو خبير اختصاصي في مجال التتبع؛ وقد تحققت على يديه أجلّ الانتصارات؛ حتى أنه وُظّف رسميًا في أركان القوات الاتحادية.

وهكذا كانت قيادة القوات الميدانية للثورة الأمريكية للقائد جيمس الوحيدي، ذو الأصل العربي، فيما كانت القيادة السياسية لجورج واشنطن، الذي اُنتخب لاحقًا أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، التي ألهمت ثورتها التحريرية شعارات الحرية والمساواة والإخاء، وحقوق الإنسان، إلى كل حركات وثورات العالم.

نعم؛ لقد تحررت أمريكا من الاستعمار البريطاني، وبقيت أمريكا دولة حرة تعيش عصر طهارة الحرية والإخاء والخير.

وظلت أمريكا تأخذ بنصيحة أحد قادة الثورة قادة الاستقلال الرئيس بنيامين فرانكلين، الذي حذر قادة وشعب الولايات المتحدة من اليهود وأطماعهم ونجاساتهم في التلاعب وزج الآخرين في المصائب والكوارث لأتفه الأسباب التي تهمهم.

أمريكا تتزحلق نحو النجاسة

رغم أن الرئيس الخامس للولايات المتحدة، توماس جيفرسون، أحد مؤسسي وثيقة الاستقلال الأمريكية الخمسة، وسادسهم، جورج واشنطن، قائد الثورة، قد تزحلق نحو محاولة استعمارية فاشلة بعد الثورة، إلا أن رجال الثورة الأمريكية قد صححوا المسيرة؛ فهذا الرئيس مونرو 1823 قد وضع مبدأ عرف باسمه، قضى بعدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الخارجية، وعدم الانحياز لأي جهة كانت.

وعادت أمريكا إلى صفائها وروائها نحو 100 عام، حدث أن تكاثر اليهود فيها، رغم تحذيرات بعض الرؤساء ورجال الثورة الأمريكية؛ وقد وصلوا إلى مراكز صنع القرار، وزجوا بأمريكا في أتون الحرب العالمية الأولى عام 1917 في عهد الرئيس السادس عشر وودرو ويلسون، وقد "كرت السبحة" من بعده، إلى أن وصلنا إلى الرئيس الخامس والأربعين دونالد ترامب، الذي يتربع على كرسي الرئاسة حاليا، لنرى أن كل من سبقوه قد أعطى كل منهم للصهاينة وكيانها "اسرائيل" أكثر مما قدم سلفه؛ فلا حرية، ولا مساواة ولا إخاء، ولا حقوق انسان.

  لقد تبنت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع الكيان الصهيوني في فلسطين، كما سجلت أول جريمة عرفها التاريخ، بإبادة سكان مدينتين في اليابان عام 1945 هما هيروشيما ونجازاكي ثم مقاومة الشعب الصيني وثورته بقيادة ماوتسى تونغ، وكذا إشعال نار الحرب في كوريا، وفي الهند الصينية، وفيتنام وغيرها وقد راح ضحاياها ملايين من البشر، وخراب الديار.

  لن استرسل كثيرا في تعداد الشرور والآثام في عصر النجاسة الصهيوأمريكية، كل ما أريد قوله أن أمريكا قد تطهرت في نهاية القرن الثامن عشر من رجس الاستعمار البريطاني، لتقع بعد الخروج على مبدأ مونرو في مستنقع النجاسة الصهيونية، الذي يمثّل إمامه ترامب، وسيأتي بعده من يدفع أكثر، لأن أمريكا تحتاج إلى تحرير.

أمريكا في الجغرافيا في أقصى الغرب، لكنها تدار من تل أبيب، فإذا تحررت فلسطين من الصهاينة فإن ذلك إيذان بتحرير أمريكا.

الخلاصة أن "مباطحتنا" مع الصهيونية آتية لا ريب فيها، ومعها أمريكا الصهيونية وكيانات هزيلة هنا وهناك في جو عالمي عابق بالقرف في عصر النجاسة الذي رعته الصهيونية الأمريكية ردحًا من الزمان، أو في غفلة طال مداها.

يكفي أن نرى أن زعيم دولة في أقصى الأرض هي كوريا الديمقراطية يهدد زعيمها بمسح أمريكا من الوجود.

وإن دولة صغيرة مثل كوبا على مقربة من شواطئ أمريكا تقف بكل شموخ وكبرياء، لطالما لطخ قائدها فيديل كاسترو وجه أمريكا في الوحل.

أما محور المقاومة في الشرق الأوسط ضد الصهيونية، فهو على موعد مع "المباطحة"، مع هذه النجاسة ومعسكرها؛ والمؤشرات توحي بأنها النهاية لعصر النجاسة والظلم والنكد العالمي.