ما زال النظام العربي يعمل بعيدًا عن مصالحه الاستراتيجية. ابتعاد الأنظمة العربية عن العمل لمصالحها الاستراتيجية ناتج عن غياب الرؤية الهادية ذات الأهداف الوضحة والمحددة. وسأضرب مثلًا توضيحيًّا لهذه المسألة من خلال مشكلة ضم أراضٍ من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.
قرار (إسرائيل) ضم أجزاء من الضفة الغربية تقدر بـ٣٠٪ بدعم أمريكي، هو جزء من سياسة إسرائيلية قديمة جديدة قائمة على التوسع، انطلاقًا من معتقد صهيوني أن دولة (إسرائيل) الحالية يجب أن تمتد من النيل إلى الفرات. هذا الاعتقاد القديم لم يسقط بالتصدي العربي لحروب (إسرائيل )؟! ولم يسقط باتفاقيات السلام مع مصر ثم فلسطين، ثم الأردن؟! ولن يسقطه الفكر الصهيوني التوسعي البتة، بل هو في تجدد دائم، وآليات عمل متنوعة.
بعيد حرب ١٩٦٧م ضمت (إسرائيل) القدس للسيادة الإسرائيلية، وحين ضعفت الدولة السورية قامت (إسرائيل) بضم الجولان، وحين أعلن ترامب عن صفقة القرن، قررت (إسرائيل) ضم ٣٠٪ من أرض الضفة، ولا أحسبها أنها ستقف عند هذا الحدّ، بل ستتعداه حين يكون مناسبًا لها، وقد تتجاوز الضفة إلى الأردن، وستعمل على تجديد فكرة الوطن البديل؟!
قادة النظام العربي وخاصة الدول التي على حدود فلسطين المحتلة، تدرك حقيقة العقيدة التوسعية، التي تنتظم السياسة الإسرائيلية الاستراتيجية والمرحلية، ولكنها مع هذا الإدراك لا تضع خططًا لمواجهة حقيقية، بل نجدها تتصرف أحيانًا ضد مصالحها من خلال التطبيع، وإبرام صفقات أمنية مع حكومات (إسرائيل).
طبعا، ثمة في عقلك سؤال يقول ما العمل؟ وبماذا تنصح؟ أقول وبالله التوفيق:
إنه يجدر بالدول العربية، وبالذات الأردن ومصر، أن تعملا بقوة مع الفلسطينيين، والمجتمع الدولي لإحباط مشروع الضم، وإفشال سياسة نتنياهو جذريًّا، لأن نجاح نتنياهو في مشروع ضم أجزاء من الضفة، يعني أن شهية (إسرائيل) للتوسع وهضم مناطق أخرى ستبقى قائمة ونشطة، وإفشال قرار نتنياهو في الضم الآن يعني قتل هذه الشهية، وإخماد جذوتها، وحصر دولة الاحتلال في حدود ١٩٦٧م، وعلى قادة العرب أن يعملوا بهذه السياسة لا من أجل الفلسطينيين وإن كان هذا العمل واجبًا عليهم، ولكن لأن في هذا حماية لمصالح بلادهم، وحفاظًا على أرضها وحدودها، وقطعًا جذريًّا لأطماع الصهيونية التوراتية.
الانتصار للضفة، ولفلسطين، هو في الحقيقة والجوهر انتصار للذات العربية التي تخشى على مصالحها من القوة الإسرائيلية ، ومن نزعاتها التوسعية على حساب الأرض العربية لنفسها. إسرائيل دولة عسكرية، ودولة توسعية، ودولة أيديولوجية، مرجعيتها الدين اليهودي، وليس مجرد الفكر السياسي، ولا القانون الدولي.
أقول للقادة العرب: اعملوا لأنفسكم، قبل أن تعملوا لفلسطين، (إسرائيل) قادمة لكم بعد أن تتمكن من هضم كامل فلسطين، وتنبهوا إلى أن فلسطين هي خط الدفاع الأول عن مصالحكم، وهي حين تجهض مخطط ضم الضفة تكون قد أجهضت أطماع الأجيال الصهيونية التالية لنتنياهو.
وأقترح على حماس أن تبعث برسائل واضحة في مثل هذه المعاني لقادة النظام العربي.