لن تستمع حكومة رامي الحمد الله لرسالة غزة، ولن تستجيب لها حتى ولو خرجت غزة عن بكرة أبيها، وهتفت بسقوط الحكومة، وقدمت البرهان على أن الخصم من الرواتب غير عادل، وأنه جزء من حصار غزة، وذلك لأن حكومة رامي الحمد الله حكومة تنفيذية، وليست تقريريه، فالقرار بالخصم صدر من أعلى جهات سيادية فلسطينية، ولأهداف سياسية.
ولن يضير محمود عباس نفسه صاحب القرار بالخصم أن يخرج أهل غزة جميعهم إلى الشوارع غاضبين حانقين صارخين، فقد تكون هذه إحدى طموحاته السياسية، كي يدلل على نجاح نهجة السياسي، لذلك لن يرتجف عباس من خروج الناس إلى الشوارع، ولن يبكي دمعة على غزة حتى لو احترقت بمن عليها، فهو الذي قال عن غزة يوماً بأنها فائض أحمال، وهو الذي هدد قبل أيام في لندن بمعاقبة غزة، وهو الذي حمل المقاومة في غزة المسئولية عن العدوان الإسرائيلي سنة 2014، ليبرأ بصلف نتانياهو من جرائمه، وليمارس عملياً على الأرض ما كان مجرد أمنية لإسحاق رابين حين قال: أتمنى أن أصحو من النوم، فأجد غزة قد غرقت في البحر.
الاعتصام في ساحة السرايا هو رسالة أهل غزة إلى بعضهم البعض، إنه رسالة الشعب إلى كافة التنظيمات الفلسطينية، وإلى كافة القيادات الوطنية والشعبية في غزة على مختلف مشاربها، فالمستهدف هي لقمة الخبز في فم جوعى غزة، والمستهدف هو أمن المواطن في غزة، والمستهدف هو الموظف والعامل والمقاوم والطالب والمرأة وولي الأمر وكل فلسطيني في غزة والضفة الغربية يرفض أن يبيع شرف القضية الفلسطينية على طاولة النخاسة الدولية.
الوحدة الوطنية والإسلامية في هذه المرحلة هي المطلوبة، وتنسيق المواقف الوطنية هو الرد الأمثل على ما يخطط لسكان غزة في ليل المقاطعة، وإذا كانت المصائب قد جمعت المصابين، فإن المصيبة التي تضرب غزة واحدة، والمصاب واحد، وطالما كانت الثاكل تبكي للثاكل، فإن موظفي غزة المقطوعة رواتبهم من سنوات، هم الأكثر تضامناً مع إخوانهم موظفي رام الله المخصوم راتبهم، فالدمعة واحدة، والجرح واحد.
لقد رفع المعتصمون في ساحة السرايا شعارات بلا صدى، لأنها موجهة إلى الرئيس، وتطالبه بأن يرحم حال الموظفين، وأن يشفق على شعبه، وأن يقيل الحكومة، وكأن الرئيس لا يعلم بما جرى، وكأنه ينتظر من يدق على أبواب قلبه بالمسكنة والاسترزاق، وهو أكثر العارفين بالقرار، وما سيتركه من آثار، وهو يعرف أن الخصم من الرواتب قضية سياسية قبل أن تكون إدارية، ولعل نداء النائب نعيمة الشيخ علي، ابنة حركة فتح، هو النداء الأصدق في هذه المرحلة من كل الشعارات، حين وجهت السهام مباشرة إلى محمود عباس، وطالبته بالاستقالة، وإخلاء الموقع، وترك الشعب الفلسطيني في غزة يتقاسم لقمة الخبز مع إخوانه في الضفة الغربية.
إن الذي يرعب محمود عباس، ويجبره على تغيير موقفه من موظفي غزة، هو إدراكه أن سهام التفرقة التي بثها بين التنظيمات قد تكسرت، وأن الشعب الفلسطيني بكل قواه السياسية وأطيافه قد توحد على هدف التخلص منه، وإيجاد البديل القادر على قيادة الشعب إلى الحرية والكرامة.