قلنا في مقال أمس إن قرار البدء في إجراءات الضم إسرائيليًّا يكتنفه الغموض، لأن عملية الضم عملية معقدة، وليست مجرد قرار يتخذه نتنياهو، ومن ثم تجري الأمور بعد ذلك سهلة، كما يجري القلم على الورق.
وإذا كانت عملية الضم معقدة إسرائيليًّا، فهي أيضًا معقدة فلسطينيًّا من حيث كيفية التعامل معها، وكيفية منعها، وهنا سنطرح مقاربة للموقف الفلسطيني، وكيف يمكن أن يتعامل مع قرار الضم، ثم مع إجراءات التنفيذ، وما دور السلطة، وما دور الفصائل، وما دور الشعب، وما دور السكان القاطنين في مناطق الضم؟!
في دولة الاحتلال نقاش متواصل، واجتماعات متتالية، لا تستهدف قرار الضم ذاته، فهذا أمر تقرر وانتهى بموافقة الأغلبية الكبيرة، وإسناد الولايات المتحدة الأمريكية له، ولكنه نقاش يجري حول التداعيات المحتملة فلسطينيا، وعربيا، ودوليا، وكيفية مواجهتها، واحتوائها، وتقليل تأثيراتها السلبية فيهم.
الاتحاد الأوربي ودول أوروبا لا تتبنى موقفا واحدا، بل هناك موقف للنمسا والمجر يؤيد نتنياهو في قرار الضم وفرض السيادة، في حين تهدد دول أخرى في الاتحاد بمعاقبة (إسرائيل)، أو الاعتراف بدولة فلسطينية في الأراضي المحتلة كرد فعل على مخالفة نتنياهو للقانون الدولي، وللموقف الأوروبي؟!
والدول العربية ليست على موقف واحد جامع، فثمة دول صامتة، ودول تتفهم إجراءات الضم، وهذه تواصل أعمال التطبيع مع الاحتلال، ودول ثالثة تحذر من انهيار الاستقرار في المنطقة، ولا تتحدث بقوة عن تعليق اتفاقياتها مع دولة الاحتلال؟!
وفي ضوء هذه المواقف التي يعلمها نتنياهو بدقة وحكومته، يدرس نتنياهو في اجتماعاته مع الموفد الأمريكي، ومع شركائه في الحكومة كيفية التعامل مع هذه المواقف، واحتوائها، وتخفيض حجم الأضرار المحتملة، وهو حين يفعل هذا لا ينظر للخلف البتة، فالضم قرار جارٍ إلى أن يصل نهايته.
نحن فلسطينيا، ندرك تصنيف مواقف الدول العربية والدولية، ويقهرنا الموقف الأمريكي، ومع ذلك لا نجري نقاشات جادة تحدد آليات عملنا مع الدول المؤيدة لموقفنا، ولا تحدد آليات عملنا مع الدول المؤيدة لموقف عدونا، ولا نناقش آليات جلب الدول المترددة لموقفنا، ويكاد موقفنا يرتكز على إجراءات شعبية وجماهرية، حدودها الإعلام والأنشطة السياسية.
ومع ما تقدم، فإني أشعر أن مشكلتنا الأكبر هي داخلية، فلسطينية بالدرجة الأولى، إذ كيف يمكن لنا أن نجمع الكل الفلسطيني في إطار إجراءات موحدة وقوية وقادة على منع الضم، وتدفيع الاحتلال الثمن؟! ثمة مشكلة داخلية تبحث عن حلّ، فمن ذا القائد القادر على بناء عمل وطني شامل وموحد ضد الضم، دون مزايدات، أو مناورات، أو مسارات تحت الطاولة.
والشيء بالشيء يذكر، يقول نتنياهو إن مشكلته في الضم وفرض السيادة داخلية، وهي ليست مع دول أوروبا، أو الدول العربية؟!
الدرس الذي نقدمه في الإجابة على ما تقدم آنفًا، يقول للقادة الفلسطينيين: قدموا لنا بناء داخليا متينا وقويا، تجمعه رؤية شاملة تقوم على رفض الضم، ومقاومته، وصولا إلى هدف يحمي الأرض الفلسطينية، ويزيل عنها الاحتلال، قدموا لنا هذا البناء لكي تبقوا قادة في مواقعكم، وإن فشلتم في هذا فغادرونا، ودعوا الشعب يواجه الاحتلال وقرار الضم وفرض السيادة؟!