كنّا في السجن في أوقاته الذهبية، نقتسم المبالغ التي تدخل "للكنتينة" لشراء الحاجات الأساسية لكل الأفراد والتنظيمات بالسوية بين الغرف والأفراد، كان للأسرى صندوق عام موحَّد، وكلُّ ما يأتي للسجن من مساعدات مالية أو ما يدخله الأفراد من أهلهم يدخل هذا الصندوق، وكان ما يتوفّر في هذا الصندوق يُقسَّم بالسويَّة مع بداية كلِّ شهر على عدد الأسرى، ويأخذ كلٌّ نصيبه بمساواة دون أيِّ تمييز بين أسير وآخر أو بين فصيل وآخر أو بين من يدخل كثيرًا من أهله أو من يدخل قليلًا أو من لا يدخل كون أهله فقراء ولا يستطيعون توفير أيِّ مبلغ لابنهم في السجن.
وكنَّا نستشهد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا في الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويَّة، فهم مني وأنا منهم".
* أدرك صعوبة الأمر وأنا لست حالمًا، ولكن الأمر الاستثنائي يحتاج
إلى إدارة استثنائية وتفكير خارج الصندوق.
* في ظل الأزمة ممكن أن نأخذ ما لدينا ونقسِّمه بالسوية، فهناك الفارق بين الرواتب العالية والمنخفضة يصل إلى عشرين ضعفًا، وهي بالمناسبة من أعلى النسب في العالم. ( والفارق الآن قد يكون مبلغًا مستردًا في حالة الخروج من الأزمة وهذا يطمئن أصحاب الرواتب العالية).
* وفي الحديث فوائد عظيمة من التضامن والتكافل وتسوية الغني بالفقير في ظلِّ الظروف الاستثنائية، ونحن اجتمعت علينا جائحتان: كورونا وانقطاع الرواتب، وأعتقد أن تطبيقه سيزعج من لا يشعر بغيره وسيفرح أصحاب مواقف العزَّة والنخوة والجود والكرم.
*ولو افترضنا أن ما في الصندوق وفَّر الحد الأدنى للأجور (1450 شيقًلا) ووزِّعت على كلِّ الموظفين بالسويَّة فإن هذا المبلغ رغم أنه يُعد متواضعًا عند ذوي الرواتب العالية، فقد يكون طوق نجاة لذوي الرواتب المنخفضة؛ لأنه غالبًا لا يوجد لهؤلاء أيُّ مدَّخرات، في حين أن فئة الرواتب العالية لديهم من المدَّخرات لتسدَّ حاجتهم في مثل هذه الظروف (هنا أتحدَّث عن الغالب) .
* ولتطبيق هذا الأمر العظيم أعلم أنه يحتاج إلى شعب عظيم، ولمَ لا نضرب المثل في سابقة لا مثيل لها في العصر الحديث بين كل شعوب الأرض قاطبة، ونثبت أننا شعب متميز يستحق الحياة والحرية والسيادة الكاملة على أرضه؟