في الوقت الذي تمضي فيه دولة الاحتلال قدمًا نحو ضم الضفة الغربية، وفي عين عاصفة التصريحات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية ردًّا على خطوات حكومة الاحتلال، ولم ينفذ منها شيء حتى اللحظة، سوى الامتناع عن قبول أموال المقاصة في العلن وقبولها سرًّا من تحت الطاولة.
في هذا الوقت الذي اشتعلت فيه حرب السلطة الكلامية على خطوة الضم الصهيونية، إذ إن السلطة جهزت ترسانة كلامية تطلقها بين الفينة والأخرى، وكان آخرها ما جاء على لسان نائب رئيس حركة فتح إذ أطلق "سلاحًا جديدًا" ضد الضم من ضمن ما أطلقته السلطة من أسلحة كلامية، وهذا "السلاح الأخير" تجلى في إعلان العالول نية السلطة إنشاء مجلس تأسيسي للانتقال إلى الدولة كما يزعم.
ولو افترضنا جدلًا أن هذا "المجلس التأسيسي" قد شكل "دون الخوض" في طريقة تشكيله ومن الأشخاص المرشحون ليكونوا أعضاء فيه وكيف سيختارون، لو افترضنا أن المجلس التأم وأصبح في حيز الوجود ومارس دوره المنوط به برلمانًا مؤقتًا للشعب الفلسطيني كما يخططون، فهل سيوقف هذا المجلس قرار الضم؟ وماذا سيضيف هذا المجلس إلى المجالس الموجودة من وطني ومركزي وتشريعي؟ وما تأثيره على الحكومة الصهيونية؟ هل سترتبك حساباتها وتتعطل خططها وتنهار مشاريعها؟
الجواب اليقيني هو لا "كبيرة" لأنه عبارة عن صفر يضاف إلى الأصفار الكثيرة التي برعت في رصها "القيادة الفلسطينية" على أجندة العمل الوطني، إذًا ما الداعي لهذه الخطوة في هذا الوقت تحديدًا؟ هل حشد أبو مازن توافقًا فلسطينيًّا لهذه الخطوة؟ وهل هي خطوة بديلة عن لم شمل الشعب الفلسطيني ودعوة الإطار القيادي المؤقت الذي من المفترض أن يكون مقدمة لإنهاء الانقسام؟ أم أنها استغلال رخيص للظرف الكارثي الذي يمر به الشعب الفلسطيني لتكريس الاستحواذ المقيت على القرار الفلسطيني بشكل جديد من أشكال الحزبية الفلسطينية البائسة التي استهلكت إلى حد التحلل والتعفن؟
وإذا كان أبو مازن قد عزم على إنشاء هذا المجلس التأسيسي فهل يا ترى سنرى مع هذا المجلس وجهًا جديدًا للرئاسة؟ أم أن أبا مازن يرى نفسه رجل كل المراحل والرئيس الأبدي القدري للشعب الفلسطيني؟ أظن الجواب واضح للقارئ فلم نسمع -ولو همسًا- أحدًا يتحدث عن مقام الرئاسة السامي؛ "فالحديث فيه حرام وهو مقام لا يجوز أن يشغله إلا أبو مازن" في عرف المطبلين، إذًا فلتتغير كل الهياكل وتتبدل كل المجالس وتتحول كل المؤسسات "لنواجه الضم" ويبقى أبو مازن القائد الأوحد الذي يقود الشعب نحو الخلاص!
أليس من الغريب أن يطرح العالول فكرة مجلس تأسيسي لإيجاد قيادة برلمانية جديدة للشعب الفلسطيني، ولا يطرح موضوع الرئاسة الذي ثبت لكل فلسطيني أن أبا مازن مارسه أسوأ ما يمكن لرئيس أن يمارس دور الرئاسة؟!
يبدو كأن قدر محمود عباس أن يخطط وينفذ المشاريع الفاشلة، التي ما إن يبدأها حتى تجلب الشؤم والخراب على شعبنا، فهو من ورط أبا عمار في مشروع السلام الذي ما زلنا نحصد ثماره المرة حتى الآن، ثم أدت سياساته الفاشلة عندما تولى الرئاسة إلى حالة الفوضى والفلتان الأمني منذ بداية عهده التي انتهت بالانقسام، ثم استمر في الحفاظ على هذه الحالة ومارس خلالها سياسات قطع الرواتب وتشديد الحصار على غزة وكل أشكال العقوبات الجماعية ضد شعبه في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، ورفض كل الحلول للم الشمل الفلسطيني في الوقت الذي لم يفوت فرصة للقاء العدو إلا واستنفذها، ورهن الشعب والمؤسسات الفلسطينية كافة للاحتلال الذي لم يفوت الفرصة واستغل الوقت لقضم معظم أراضي الضفة الغربية إلى أن نضج مشروع إعلان الضم، ثم يأتينا أبو مازن بمشرعه الإبداعي "المجلس التأسيسي"؛ فأي مصيبة يخبئها أبو مازن لشعبنا وراء هذا المشروع وقد عهدناه ألا يأتي بمشروع إلا وفيه مصيبة تحل بشعبنا تكون أشد وأنكى من المصيبة التي سبقتها؟!
إن الشرفاء -وهم جل الشعب الفلسطيني- مدعوون اليوم لوقف هذه المهزلة، والبدء في اتخاذ خطوات عملية لإنهاء هذا العهد الأسود الذي امتد خمسة عشر عامًا من الزمان، ووضع أجندة وطنية تتوافق عليها الفصائل وكل شرائح الشعب الفلسطيني، تقوم على أساس إطلاق المقاومة أشكالها كافة ضد الاحتلال، وهذا السبيل الوحيد الذي كان يفلح دائمًا في مواجهة خطط الاحتلال ويفشلها قبل أن يعرف الشعب الفلسطيني مشروع السلام الأسود الذي أغرقنا فيه محمود عباس.