فلسطين أون لاين

عدم صرفها عاد بارتدادات خطيرة على الاقتصاد

تقرير أسواق غزة.. رواتب سلطة مفقودة تجعل الحركة الشرائية مشلولة!

...
غزة- أدهم الشريف

عندما بدأت الجهات الرسمية في قطاع غزة التخفيف من إجراءاتها الصارمة لمواجهة جائحة "كورونا" الفتاكة بدأ إبراهيم أبو هلال، الذي يدير مجمعًا تجاريًا مخصصًا لبيع الملابس الرجالية، شراء موديلات حديثة استعدادًا لعرضها وإغراء زبائنه بها.

لكن أبو هلال لم يدرِ للحظة واحدة أن أزمة أخرى سيخضع لها هو وآخرون لعدم صرف السلطة الفلسطينية رواتب موظفي القطاع العام بغزة.

ويقول إن الحركة الشرائية تراجعت بشكل غير مسبوق في المرحلة الحالية نتيجة جائحة "كورونا"، وعدم صرف رواتب موظفي السلطة، وهو ما أدى إلى عدم وجود سيولة في جيوب المواطنين.

ويقدر تعداد موظفي السلطة بغزة 70 ألفًا، مدنيين وعسكريين، وخضع الآلاف منهم لقرار التقاعد الإجباري الذي اتخذته رئاسة السلطة في إطار الإجراءات العقابية ضد القطاع، وسببت ارتدادات خطيرة على الأوضاع الإنسانية.

ويقدر مراقبون أن تعداد موظفي السلطة هم الأكبر على مستوى القطاع، وما يتقاضونه من رواتب يلعب دورًا كبيرًا في دفع عجلة الاقتصاد المحلي.

وهو ما يؤكده أبو هلال في أثناء حديثه مع "فلسطين"، مشيرًا إلى أن الحركة الشرائية أصبحت شبه معدومة، وقليل من الزبائن من يأتون للشراء، ودفعه ذلك للاستغناء عن اثنين من العاملين في المجمع التجاري الكائن في شارع الجلاء بمدينة غزة.

وأكثر ما يثير قلق أبو هلال، قيمة الفواتير الشهرية الملزم بتسديدها، التي تزيد على 7 آلاف شيكل، في حين هو لا يستطيع تحصيل هذا المبلغ في الشهر الواحد، الأمر الذي يزيد الأعباء المالية عليه، كما يقول.

وتعرض قطاع غزة في السنوات العشر الأخيرة لسلسلة أزمات اقتصادية انعكست سلبًا على مناحي الحياة كلها، وخاصة التجارية، وشملت الحصار، وإغلاق المعابر، ومنع الاحتلال دخول بعض السلع بدعوى "الاستخدام المزدوج"، والإجراءات العقابية كذلك.

جميع هذه التطورات جعلت الشاب مصطفى البطة حائرًا أمام مسؤوليات كبيرة ملقاة على عاتقه، فبين توفير نفقات الإيجار الشهري، ومصروفات والدته التي يعيلها الشاب البالغ (25 عامًا)، قرر الاستمرار في بيع التحف والهدايا.

وصباحًا يبدأ البطة يومه على بسطة صغيرة وضعها في منطقة مزدحمة بحي الرمال، أبرز المناطق التجارية بمدينة غزة، وينهيه مساءً ببيع بعض السلع التي لديه ليعود إلى البيت الذي يستأجره ووالدته بتكلفة شهرية 200 شيكل (غرفة ومطبخ وحمام).

ويضيف البطة لـ"فلسطين" أنه يتمكن من بيع العديد من المنتجات، لكن في فترة المواسم طيلة العام، ومع عدم صرف رواتب السلطة حتى اليوم، لن ننعم بأي موسم مربح.

وتُرجع السلطة عدم دفع رواتب موظفيها بغزة إلى أزمة مالية خانقة.

جمال أبو كميل هو الآخر يدير شركة "موبايل زون" متخصصة في منتجات تكنولوجية، منها الجوالات وصيانتها وبرمجتها، وكذلك الحواسيب والإكسسوارات، يواجه أزمة شديدة أجبرته على استخدام أساليب متنوعة من أجل الاستمرارية.

وقال أبو كميل لـ"فلسطين"، إنه عندما قرر فتح الشركة قبل 3 أعوام من الآن، فضَّل إنشاءها بطراز حديث، على أن تكون المنتجات لديه مناسبة للسوق وتلبي رغبة الزبائن، لكنه لم يتوقع أن تلحق به أضرار كبيرة بسبب ضعف الحركة الشرائية.

وأضاف أن الحصار وسياسات المعابر وإغلاقها بشكل متكرر، وفرض ضرائب كبيرة على السلع والمنتجات الواردة، إضافة إلى عدم صرف رواتب موظفي السلطة، كله سبب أزمات كبيرة ومتلاحقة لأصحاب المحال التجارية.

مخاوف مستقبلية

وأشار إلى أن كل ذلك تزامن مع التداعيات التي خلفتها جائحة "كورونا" على العالم أجمع، وانعكاسها على القطاع المحاصر الذي لم تصبه الجائحة، إلا بعض المسافرين المصابين العائدين عبر معبر رفح، جنوبًا، وهم في الحجر الصحي لتلقي العلاج.

ويثير تردي الظروف الاقتصادية بغزة وما تركه ذلك من شلل في الحركة الشرائية بشكل غير مسبوق، مخاوف أبو كميل على مستقبل الشركة التي يديرها ويعمل فيها أكثر من 6 موظفين.

ويقول إنه أصبح غير قادر على تسديد الالتزامات الشهرية، ولجأ إلى إدارة شؤون هؤلاء الموظفين بتخفيض قيمة الراتب الشهري ليتمكن من الاستمرار.

لكن أكثر شيء يفكر فيه أبو كميل، الذي يعمل في تجارة الجوالات منذ أعوام طويلة اكتسب خلالها خبرة كبيرة في السوق، الإيجار السنوي، الذي يصل لـ35 ألف دولار أمريكي، فهو ملزم بتسديدها في موعدها حتى لا يواجه مشاكل مع صاحب البناية الواقعة في شارع عمر المختار.

وفي الأماكن التجارية المعروفة في غزة، مثل شارع عمر المختار، يصل الإيجار أحيانًا إلى 20 ألف دولار في السنة الواحدة. وهو المبلغ نفسه الملزم بتسديده ياسين حجازي، مدير أحد محلات الإكسسوار والتجارة العامة. يقول لـ"فلسطين" إنه بالكاد يستطيع تسديد المبلغ، فأوضاع السوق لا تسمح هذه الأيام.

وأضاف أن المرحلة الحالية هي الأسوأ في تراجع الحركة الشرائية منذ ان افتتح محله في سبعينيات القرن الماضي.

وأشار إلى أن أوضاع التجارة بغزة تأثرت كثيرًا بارتفاع نسبة البطالة، وعدم وجود سيولة لدى المواطنين، حتى أنه يضطر أحيانًا إلى بيع سلع ومنتجات مستوردة بسعر التكلفة حتى يتمكن ياسين من توفير سيولة لديه يتحرك من خلالها لتلبية احتياجاته والتزاماته تجاه البلدية وشركة الكهرباء.

وأكد أنه لا يتعمد تأخير تسديد الالتزامات المفروضة عليه، لكن الحركة الشرائية الحالية تجعله بالكاد قادرا على تسديدها. وعدَّ أن عدم صرف رواتب السلطة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، في إشارة إلى تضرر اقتصاد غزة.