فلسطين أون لاين

الخروج من حالة الحياء السياسي: الحل في قيادة وطنية جديدة

(1) أزمة الشعب في قيادته

حتى نختصر مسافات التشخيص والتحليل: أزمة الشعب والقضية هي أزمة القيادة!

(طول عمره) الشعب الفلسطيني مضح ومقدام وباذل لدمه ونفسه, ولم يتردد لحظة في دفع الأثمان الباهظة، لكن قيادته لم تكن على مستوى تضحياته, وعجزت أن تلبي طموحاته, وتحقق قليلًا من أحلامه الوطنية.

بسبب القيادة الضعيفة والعاجزة أصبحنا (أيتامًا) سياسيين, كلٌّ ينهش في لحم قضيتنا!

هذا يجعلنا نقول بصراحة: المدخل الصحيح لمعالجة حالة التراجع والفشل والعجز في القضية الفلسطينية هو إيجاد قيادة وطنية جديدة, أمينة وشجاعة وصاحبة رؤية إستراتيجية, وقادرة على ردع الاحتلال, تتحمل المسئولية الوطنية لتصويب البوصلة التي انحرفت عند الأعداء والعرب والمجتمع الدولي.

قيادة قادرة على جمع شتاتنا وتوحيد كلمتنا ونظم جهودنا واستثمار تضحياتنا في تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض, وليس مجرد شعارات فضفاضة.

الواقع السياسي والوطني الفلسطيني لا يحتاج إلى تشخيص أو تحليل أو عبقرية لتوصيف حالة الفشل والعجز, الذي حينما تسأل عنه – ومنذ عشرين عامًا- يكون الجواب (ما في شيء جديد)!

بالفعل نحن وصلنا إلى حالة الصفر السياسي والتيه الوطني والفراغ الفكري!

لم يعد هناك شيء نفعله سوى الانتظار الممل، أو إصدار البيانات، أو تفريغ الطاقات في أشكال وقوالب مكرورة ممجوجة من المسيرات والاعتصامات.

لم يعد شيء بالفعل نتحدث عنه.

(2) جرؤوا السفهاء علينا

ضعف القيادة الفلسطينية وعدم اتخاذها إجراءات جدية في مراحل خطرة -وما أكثرها!- من توسيع المستوطنات ومصادرة الأراضي وتهويد القدس وإلغاء اتفاقات أوسلو وصفقة القرن ثم أخيرًا ضم الضفة الغربية, واكتفاؤها بمناشدات باهتة للمجتمع الدولي أو الانتظار هو الذي جرأ (إسرائيل) والإدارة الأمريكية على الاستخفاف بنا شعبًا وقضية, والتعامل معنا كأننا غير موجودين أو أننا (صفر على الشمال) وأصبح الحديث عن ضم الأراضي يعلو بكل صفاقة ووقاحة غير مسبوقتين.

هذا الضعف القيادي هو الذي جرأ بعض الدول العربية على الحديث عن التطبيع جهارًا نهارًا دون خجل, والسماح لطائرات الاحتلال بالمرور بأجوائها، ومقابلة رئيس وزراء الاحتلال، وأصبحت القضية الفلسطينية لا تمثل لها إلا ملفًا في درج!

وهذا الضعف هو الذي جرأ ما يسمى المجتمع الدولي على السكوت والتسليم بجرائم (إسرائيل)، والصمت عن كل مخططاتها أو رفع العتب ببيان أو تصريح خجول.

هذا الضعف المخجل الذي جعل الانقسام يستمر 15 عامًا, ومزق الحالة الوطنية, حتى إنه قسم حركة فتح نفسها قسمين.

هذا الضعف الذي حول منظمة التحرير إلى (عجوز مريض) يعيش في غيبوبة منذ عشرين عامًا، والمجلسين الوطني والمركزي إلى هياكل فارغة لا معنى لها، والسلطة الفلسطينية إلى مجرد جسم يتحمل عن الاحتلال تبعاته ومسئولياته, فاقد الوجود والصلاحية!

هذا الضعف المخجل هو الذي ألقى بظلاله على الضفة الغربية وقتل الروح الوطنية، ومنع أي حراك جدي لمواجهة الاحتلال, وجعل قادة الاحتلال يتفاخرون بأن الضم وصفقة الأراضي والاستيطان ومصادرة الأراضي ستمر رغم الزوبعة الصوتية, فقط المشكلة تكمن في نسبة الأراضي التي ستضم!

بالله عليكم عودوا بالذاكرة للوراء 15 عامًا وأعطوني قرارًا واحدًا, واحدًا فقط, أصدرته القيادة العتيدة لوقف تمدد الاستيطان أو عرقلة بناء الجدار أو لجم عربدة المستوطنين أو انتهاك مناطق (أ) واعتقال المواطنين, أو رفع المعاناة عن قطاع غزة.

التوجه للجنائية الدولية (حباله طويلة)، والله أعلم هل سيجري مع اختلال موازين القوى.

إن القيادة (الهشة العظام) المتمثلة في الرئيس أبي مازن أثبتت بالفعل أنها عاجزة, مشلولة, وفي كثير الأحيان صامتة ومتفرجة على كل هذه الجرائم والانتهاكات التي تعصف بالقضية الفلسطينية.

المشكلة أن الرئيس, ومن يدور معه, يتفاخرون بهذا العجز, ويرددون بكل (....) أنه لا مكان للسلاح، لا مكان للمقاومة، لا مكان لردع الجنود والمستوطنين, سنظل (أولادًا مؤدبين مهذبين) حتى يتأكد للعالم أننا (سلميون محترمون)!

(3) ردود باهتة مقابل سياسات وإجراءات خطيرة

لقد مرت بنا منعطفات خارقة وحارقة وماحقة، مثل نقل السفارة وصفقة القرن وضم الأراضي، دون فعل شيء -اللهم- إلا أشكالًا تظاهرية لا معنى لها ولا طعم ولا رائحة.

ماذا يعني أننا أصبحنا في حل من الاتفاقيات؟!

هذا مثل اللص الذي يدخل بيتك ويسرق كل شيء أمام عينيك، وربما ينتهك عرض زوجتك، وأنت لا تملك إلا أن تقول للص: أنا أرفض ما تفعل!

واضح أنهم يجروننا جرًّا إلى مربعات ردة الفعل: عند نقل السفارة يتسارع الجميع إلى وضع خطة وطنية للمواجهة، ثم ننسى موضوع السفارة وننتقل إلى وضع خطة لمواجهة صفقة القرن، ثم يسحبوننا إلى فخ الضم ونتداعى إلى (لقاء وطني) لمواجهة الضم، وغدًا تأتينا موجة جديدة وأخرى-للاستهلاك- كي نشمر عن عضلاتنا لوضع خطط ورقية للمواجهة, وحينها تكون استكملت (إسرائيل) خططها على الأرض مع الضجيج الفلسطيني.

صراحة, إن العمل الوطني تحول إلى استعراض فارغ لا معنى له, لا يتجاوز حدود عقد اللقاءات الوطنية والمهرجانات والخطابات التي تتعالى فيها الأصوات, لكنها كمثل زبد البحر!

إن الخيارات التي أصبحنا نستنجد بها لتنقذنا من الغرق السياسي والفشل الوطني أصبحت عقيمة ومكرورة وفارغة المضمون: المصالحة، ودعوة الإطار القيادي، والحوار الوطني الشامل، وتفعيل المقاومة الشعبية، وإصلاح منظمة التحرير.

لا شيء من ذلك يتحقق, وكله يذهب أدراج الرياح!

دعوني أقول بكل حزن ومرارة: إننا قضينا طوال عشرين عامًا في نهج سياسي ووطني فاشل ومدمر, لا شك هو نهج مزين بالشعارات الوطنية (المزهزهة)، شعار الممثل الشرعي والوحيد, وشعارات دولة فلسطين، وشعار السلطة الوطنية المزنرة بربطات العنق ومسميات الرئيس والوزراء وأصحاب المعالي.

في حين الوطن غائب مضيع, والشعب مشتت, والأرض تسرق والتنسيق الأمني (شغال)!

(4) أصنام سياسية

لقد عبدنا أصنامًا سياسية.

إن المسمى الكبير والضخم لـ(القيادة الفلسطينية) التي تجتمع وتنشر صورها من وقت إلى آخر على طاولة ممتدة, مليئة بوجوه عاجزة لم تخجل أن تكرر هذا السيناريو طوال سنوات دون أن تخرج, مرة واحدة, بقرار وطني له مردود وفعل إيجابي!

إن منظمة التحرير التي تحولت إلى (عجل مقدس) لا ينبغي الاقتراب منه ولا من شرعيته ولا قدسيته, تحولت إلى جسد هوائي فارغ, وإن الذين قتلوا منظمة التحرير وخربوها هم الذين يحملون سيف الخشب للدفاع عنها.

لقد قضينا أكثر من خمسة وعشرين عامًا وكلٌّ يطالب بإصلاح منظمة التحرير, فلا المنظمة انصلح حالها ولا (أصحابها الشرعيون) يرغبون بإصلاحها!

ومطلوب أن نظل صامتين (كمان) عشرين عامًا حتى (ينصلح) حالها!

واستنزفنا من عمرنا وجهدنا الوطني عشرات السنين، ونحن نتحدث عن حلم وحدة وطنية لم تتحقق إلى يومنا هذا.

وقضينا خمسين عامًا ونحن نتحدث عن إستراتيجية وطنية للتحرير, ولم نتفق على سطر واحد من هذه الإستراتيجية!

وفرحنا بـ(سلطة وطنية) بشعارتها ووزاراتها ومناصبها وأوهمونا أنها (نواة الدولة العتيدة) وإذا هي تتحول إلى (...)!

إذًا ماذا تبقى لنا؟!

ماذا تبقى لنا سوى (شوية فزعات) هنا وهناك, مغلفة بشعارات من الوزن الثقيل؟!

ماذا تبقى لنا سوى البيانات الجميلة والاعتصامات والمسيرات؟!

ماذا تبقى سوى الأخبار اليومية المملة التي تضح بالعجز وقلة الحيلة وتبني سلاح (الكلام)؟!

إنني لا أعفي قيادات الفصائل من حالة العجز, فهي لم تقدم بديلًا وطنيًّا جديًّا وفاعلًا, ولم تؤسس لعمل وطني ممنهج, وانتهجت عملًا تقليديًّا غلب عليه الانفعال وغاب عنه التخطيط الإستراتيجي.

(5) الخروج من الحياء السياسي

اليوم مطلوب الخروج من حالة العجز، حالة الفراغ والرمادية القاتلة.

الخروج من القيادة التقليدية العاجزة، الخروج عن الأجسام السياسية المحنطة والبالية.

لن أخجل من القول إن القيادة الفلسطينية فاشلة وعاجزة، وفاقدة للرؤية والقرار الشجاع وتحمل المسئولية.

ولن أخجل من القول إن منظمة التحرير لم تعد تمثل العنوان الوطني الصحيح!

ولن أتردد في القول إن كثيرًا مما صنعناه في الماضي هو عبث لا معنى له.

فقط من يستطيع إصلاح كل هذا الخراب هي قيادة وطنية جديدة, جديرة بالثقة والاحترام والالتفاف حولها.

هذا أفضل مليون مرة من الاستسلام لحالة العجز والهوان، التي نعيشها وصبغت كل معالم حياتنا.

السؤال: كيف يمكن أن نوجد هذه القيادة الوطنية الجديدة؟

سؤال صعب, وثقله ثقل الجبال, لكنه ليس مستحيلًا على شعب لا يعرف المستحيل.

هناك نماذج كثيرة في العالم صنعت قيادات جديدة تجاوزت القيادات التقليدية، اقرؤوا تاريخ دول كثيرة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وفيتنام.

هناك آلاف من الطاقات والكوادر الفلسطينية المنتشرة في فلسطين وخارجها, صاحبة إبداع ورؤية شجاعة, يمكن نظمها في بوتقة وطنية جديدة.

يمكن لهذه القيادة أن تتشكل جغرافيًّا وسياسيًّا، جغرافيا تمثل كل مناطق وجود الفلسطينيين, وسياسيًّا تمثل القوى والفصائل والجاليات والاتحادات والشخصيات المحترمة وطنيًّا.

أرجوكم لا تسلموا بهذا الواقع المخجل والقيادة الضعيفة, واقع لا يليق بكم ولا بتضحياتكم, ولا يضمن لكم ولأحفادكم مستقبلًا واعدًا.

نعم, يجب أن نتمرد على حالة الضعف والهوان.