أُصدِّق أن كل حجر يئن وجعاً في بلاد العرب تقف من خلفه دولة الكيان الصهيوني، وأُصدِّق أن هذه الدولة الغاصبة لا تسهو عن أمنها المرتبط بعدم استقرار أمن دول المنطقة كلها، وقد أكد الصهيوني عاموس يدلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق أن يد (إسرائيل) تعبث في أحشاء كل الدول العربية، لذلك فلا غرابة أن يقف الموساد الإسرائيلي خلف إذكاء الحروب في المنطقة، بما في ذلك الحرب على أرض ليبيا، بهدف إشغال الرأي العام العربي بعيداً عن مشروع ضم 29% من أرض الضفة الغربية.
هذا الاستشراف المبكر للأحداث على أرض ليبيا قد يعترض عليه البعض، على افتراض أن الحروب على أرض ليبيا لها انعكاساتها العالمية، وتتجاوز بتأثيرها أرض فلسطين، وهذا كلام سليم، يعود بنا إلى الحرب العالمية الأولى والثانية، ومن كان السبب في إذكاء نارها، وكيف أسهمت نتائج تلك الحروب بقيام دولة الكيان على أرض فلسطين وتشريد أهلها.
لقد جاء تهديد الرئيس المصري عن الخطوط الحمراء على أرض ليبيا بمنزلة إعلان حرب ضد الجيش التركي الداعم لحكومة الوفاق، وهي الحكومة التي تحشد القوات لحسم معركة سرت والجفرة، ومن ثم التقدم لبسط السيادة على بقية الأراضي الليبية. تقدم لن يتوقف، ويؤكد وقوع الحرب بين الجيش المصري، والجيش التركي، وهي حرب تشارك فيها دول إقليمية، وتحظى بدعم وإسناد دول عدة على مستوى العالم، وتكفي الإشارة هنا إلى تناقضين غريبين:
الأول: رضا الرئيس الأمريكي عن الدور التركي في ليبيا، وتصديها للتقدم الروسي.
الثاني: غضب الرئيس الفرنسي من التدخل التركي المباشر في ليبيا، ولقاؤه قبل أيام رؤساء وزراء أوروبيين عدة في خطوات تحريضية تتصدى للجيش التركي.
فكيف يمكن جسر هذه الهوة في مواقف حلف الناتو دون الانتباه لدور (إسرائيل) التحريضي على إذكاء حرب طويلة الأمد تستنزف الجيش التركي والجيش المصري معاً، وتأكل مقدرات الشعب التركي والشعب المصري، وتترك المنطقة تئن وجعاً، وطلباً للدعم والمساندة الإسرائيلية التي تضمن الدعم والتأييد الأمريكيين؟
الأمة العربية عامة، والشعب الفلسطيني خاصة يخاف على مقدرات الأمة العربية والإسلامية، ولا يتمنى أي مواجهة بين الجيوش العربية والإسلامية بعيدة عن أرض فلسطين، فالخطر الحقيقي على أمن الأمة العربية والإسلامية هي هذه الدولة الغاصبة لأرض فلسطين، وهي محراك الشر وإثارة الفتن، وهي التي تقف خلف المعارك والخلافات الطائفية والمذهبية في المنطقة، وهي الأحق بالمواجهة والقتال.
وللحق والتاريخ فقد قدم الجيش المصري آلاف الشهداء دفاعاً عن فلسطين، وقد قدم الجيش التركي أيضاً الشهداء دفاعاً عن أرض فلسطين حين تصدى قبل مئة عام للاستعمار البريطاني، وقد سالت دماء الأتراك قبل مدة قصيرة فوق سفينة مرمرة، رفضاً لحصار غزة.
الحرب على أرض ليبيا استنزاف للموارد لا تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، فهذه الحرب التي ستعمق الكراهية والانقسام بين الشعوب، ستترك جرحاً غائراً تنفذ منه إسرائيل لتطبيق مشروع الضم، وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لسنوات قادمة.