أبدأ بهذه القصة التي حصلت معي قبل يومين أرويها لكم كما حصلت بالكمال والتمام دونما أي فضاء أدبي أو خيال.
" تمكنت من صياغة قواعد علاقة مبنية على المصلحة المتبادلة وتقاسم بعض المهام والادوار لقطّ بدا لي حملا وديعا وقابلا لصياغة التفاهمات والاتفاقات، كان مني بعض الطعام وبقايا موائد الضيوف والكرام وكان منه الحراسة من كل من يقترب من الحشرات والهوام، دام الحال على هذه القواعد أشهرا وأياما.
أردت أن أغيّر قليلا من قواعد هذه المصالح والثوابت وأخلخل بعض التفاهمات فتوجّهت لأحدّ من مساحة حركته قليلا، فضممت بعضا من حيّز المكان خاصته واحطته بسياج قسري جديد غير المتفق عليه، وضعته في قفص جميل لا يستطيع الخروج منه وإليه الا بإذن وتصريح.
نظر وعبس وبسر ثم مثل لمح البصر أخرج مخالبه وأنشبها في يديّ دون أي سابق نظر، في ثانية واحدة أحدث خمسة عشر جرحا، والله هذا ما حصل. إلى هنا انتهت القصة".
يا سادة يا كرام استنتجت بأن القط لا يمكن أن يكون حملا وديعا على الدوام، ولا يمكن للتنسيقات والتفاهمات أن يدوم لها الحال إذا تمادى طرف من أطراف هذه الاتفاقات.
فهذا مع قط شعر بالغبن وقصر نظر خصمه إذا أراد الجشع وكيل الاهانة وسوء النيّة والاعتداء على المعتبر والاستحقاق وقصر الامل وحشرة القفص. ما بالنا بمن يريد ذات الشيء مع شعب يملك ما هو أكثر بكثير من مخالب القط بل يملك مخالب وانياب أسد لا قبل لاحد بها إذا انتابته موجة الشعور بالغبن والانتفاضة وثورة الغضب؟؟
ولا بدّ هنا من التأكيد أن الشعب الفلسطيني ليس قطّا أليفا ولا كائنا قابلا للترويض أو التطبيع أو الالهاء أو الاقصاء أو الضمّ والاحتواء، وهذا هو دأبه مع الهبّات والانتفاضات وأن محاولات ترسيخ قابليته للاستعمار أو الاستهبال أو الاستحمار ما تلبث إلا أن تفشل فشلا ذريعا ولا يحيق المكر السيئ الا بأهله.
لقد وضعونا في قفص أوسلو لا خروج ولا دخول الا بإذن منهم أو تصريح، حتى السجل السكاني بتسجيل مواليدنا واستخراج هويّات مواطنينا وجواز سفر مع بطاقة الممنوع من السفر وضبط شهادات وفيات موتانا جعلوها بقفص من حديد، شفطوا مياهنا وباعونا قليلا منها وحدّدوا عبادتنا وحرموا غالبية سكاننا من الوصول إلى مسجدهم المقدّس الذي زاحمونا عليه عربدة وغطرسة. لقد حشرونا في قفص جعلوه في قبضة حديدية من سريالية مدمّرة.
ثم لم يكتفوا بذلك وارادوا أن يضيّقوا القفص.
الشعب الفلسطيني يرفض رفضا قاطعا أن يحشر في قفص، وكان خير شاهد على هذا وعلى سبيل المثال لا الحصر انه في عام 1987 وبعد عشرين عاما من احتلال الضفة الغربية في ستة أيام وعربدة جيشهم على ثلاثة جيوش عربية، تمادوا في عدوانهم وظنوا أن الشعب الفلسطيني قد همد واستكان وترسخت لديه قابلية الذلّ والهوان، فجأة أخرج لهم مخالب الأسد ورماهم بحجارة من سجيل غضبه، واجترح مصطلحا جديدا تعارف عليه البشر أجمعين أنه انتفاضة شعب لا يهون ولا يلين.
وفي عام 2000 كذلك أخرج لهم الأقصى بعد أن تمادوا عليه باقتحام رمز غطرستهم في ذلك الزمان شارون الحروب والطغيان، رفعت رأس الشعب الفلسطيني من جديد انتفاضة الأقصى وهزّت كيانهم ووضعته على مهب ريح هذا الشعب الذي لا يعدم الوسيلة ولا تضيق به الحيل.
وتلت ذلك مقاومة عنيدة في غزة وهزيمة لهم في لبنان القويّة الابيّة وهبات قدس وزمجرة نار تحت رماد ضفّة لا تلين.
شعبنا يمتلك أنياب الأسد ومخالبه التي يعرف تماما كيف ومتى وفي ثانية واحدة يقلب الطاولة ويفاجئ المعتدين، خاصة أصحاب الذاكرة القصيرة من المتغطرسين المحتلين الذين لا ينظرون أبعد من أنوفهم القصيرة وعقولهم السخيفة الهزيلة.