فلسطين أون لاين

​تعتمد على المستضيفين

المسارات السياحية .. تُحيي حبّ الأرض

...
نابلس - خاص "فلسطين"

انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة تسيير المسارات السياحية تجاه بعض المناطق الأثرية تارة والطبيعة تارة ثانية، وتبنت الكثير من المجموعات الشبابية والمؤسسات والجمعيات هذه الظاهرة، ونشطت المجموعات التطوعية وحتى بعض شركات السياحة في الترويج لها في ظل التعاطي الكبير معها.

الناشط الشبابي والمؤرخ الفلسطيني حمزة عقرباوي واحد من الأشخاص الذي عمد إلى إحياء هذه الفكرة في نفوس الشباب والمجموعات التطوعية يقول خلال حديث له مع صحيفة فلسطين: "إن الاهتمام بالمسارات بدأ منذ عام 2011 وأخذت العديد من المجموعات الشبابية تهتم بهذه المسارات بعد ذلك".

وتابع العقرباوي: "انطلاقًا من الاهتمام بالعمل التطوعي تارة ونشر ثقافة الاهتمام بالمناطق الأثرية تارة ثانية، بدأت هذه الفكرة بالنهوض شيئا فشيئا الى درجة أنها أصبحت تقليدا وعادة محببة لدى الكثيرين".

مستضيفون

وعن بدايته مع هذه المسارات قال: "بدأت المسارات وفكرتها بعيدا عن وجود مرشد وتعتمد بالدرجة الأولى على المستضيفين وفيما بعد توسعت المجموعات وصارت تحت العديد من المسميات والتي تنوعت اهتماماتها بين السياحة والتسلق والتجول والاستكشاف".

وتتركز الفكرة الرئيسة للمسارات على التعرف على فلسطين، يقول عقرباوي متابعًا: "خليل السكاكيني كان يردد "تعرف على فلسطين بالسير على قدميك، وباتت هذه المسارات وسيلة للتعرف إلى عيون وجبال وتلال ومناطق فلسطين الجميلة ومن ثم نقلها عبر الصورة والعبارة والفكرة".

وعبر العقرباوي عن رسالته من التجوال قائلًا: "تجول في الأرض تمتلكها ومن لا يعرف بلاده كيف له أن يحبها ومن لا يحبها كيف له أن يدافع عنه، فنحن نغرس قيمة غنية عن الأرض وأهميتها".

ويشير العقرباوي إلى أن أهمية تلك المسارات بالغة كونها زادت المحتوى المكتوب والمعلومات والمراجع والصور، وتابع: "أغلب الجولات تكون في المناطق المهددة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وعندما نزورها نخلق حياه فيها".

وأردف: "تلك الجولات هي حياة للأرض وإن لم يفلحها في نهاية المطاف فيجب أن يحافظ على علاقة الحب والعشق للأرض وما تحمله، ونحاول أن نعيد تقدير قيمة المكان والأرض، فكل شجرة ووادٍ وحجر له قصة مروية بعرق الآباء ودمائهم وتضحياتهم".

ربط الإنسان بتاريخه وببطولات الشعب نقلة نوعية وتطور مهم للعلاقة مع الأرض يقول عقرباوي، مضيفا: "بدلًا من التوجه للمناطق والمتنزهات الأفضل أن يتوجه الشباب لإحياء الروح بالأرض وإعادة الاعتبار لها".

وشدد على أهمية ترتيب وتنظيم المسارات البيئية، قائلا: "نحن بحاجة إلى خطوة جديدة تتمثل بترتيب المعلومات وتنظيمها ولتصبح أكثر كثافة وبعدًا وطنيًّا أكثر زخمًا، ومن المهم أن تتوفر المعلومات بيد المتجولين بشكل موثوق".

بعد ست سنوات من انطلاقها ختم عقرباوي: "باتت ظاهرة المسارات البيئية والسياحية جديرة بالاهتمام والتطوير وبرعاية العديد من المؤسسات وتطوير العمل والبناء عليه بشكل سليم، فيكفي تلك المسارات أن خلقت نسيجاً جيداً بين المواطن الفلسطيني وأرضه".

الشابة هناء عوض -27 عاماً- من سكان قرية "بِدْرُس" قضاء رام الله، انضمت لفريق "تجوال سفر" قبل عام واحدٍ، وشاركت في غالبية الجولات التي نظّمها الفريق، وفي كل مرةٍ كانت تخرج بمعلومةٍ جديدة وسعادة كبيرة.

تصف تجوال سفر بأنه "شيء عظيم، وتقول لفلسطين: "لم أكن أمتلك تجارب سابقة في أول تجوالٍ شاركت به مع الفريق، مشينا مساحة 17 كيلو إلى مدينة أريحا الرائعة، تعبتُ كثيراً وبتُّ لا أقدر على حمل نفسِي، وانقطع معي الماء ومع غالبية المشاركين، كان تجوالاً شاقاً وبقدر مشقته كانت المتعة والفائدة، فالطبيعة الساحرة والجبال الشاهقة ما تزال محفورةً في عقلي"، تضيف: "اليوم أنتظر التجوال التالي بشوقٍ وحبٍ كبيرين".

وكانت هناء قد استضافت الفريق إلى قريتها "بِدْرس"، حيث كانت مفعمةً بالنشاط والحيوية، بعد التنسيق مع المؤسسين ووضع خطة التجوال معهم.

وتذكر أن من أجمل ما تحبّ في التجوال فقرة الحكواتي: "الحكواتي شخص مهم للغاية في تجوالِنا، فلديه أسلوب رائع ومشوق ومعلومات كثيرة عن المناطق الجغرافية التي نزورها، والتي يسردها تارةً بأسلوب المعلومة العلمية الحقيقية وأخرى بأسلوب الخرافة والأسطورة".

ظاهرة إيجابية

الإعلامي والباحث الاجتماعي نواف العامر يرى أن ظاهرة المسارات السياحية واحدة من الظواهر الإيجابية التي باتت تطفو على السطح في السنوات الأخيرة، وتابع: "بمجرد أن هناك محاولات لإعادة الجيل للأرض وتذكيره بها فهذا الشيء في قمة الإيجابية ونتمنى أن يكون هناك منهجية في التعامل مع هذه المسارات".

وأكمل العامر: "المطلوب أن تتحول تلك المسارات إلى نهج لدى جميع المؤسسات الشبابية والتطوعية وأن يرافقها باحثون ومدونون لكل ما يصادفونه وأن يتحول الحق الفلسطيني إلى صورة وكلمة منقولة تجسد الجمال تارة وتنقل معاناة المواطن والأرض مع الاحتلال التي نحرم منها تارة ثانية".

وختم العامر: "يجب الانتقال من استهداف الشباب في هذه المسارات إلى الأطفال حتى يدركوا أن هناك أرضًا منسية، وحقًا مغتصبا وعدوا يحرمنا الهواء والجمال والحياة".

الناشط فادي جوابرة من بلدة بلاطة البلد يتحدث عن تلك المسارات ودورها في التأثير على الشباب، قائلا: "المسارات باتت دروسا يومية في الجغرافيا والتاريخ والانتماء للأرض فمجرد أن نخرج كشباب في هذه المسارات فإننا نكتسب معاني الحب للأرض والشجر والحجر ونستنشق الحرية المسلوبة منا من الاحتلال الذي يريد أن يصادر حريتنا كما صادر جمال أرضنا".

ويتابع جوابرة: "المسارات هي طريقة مثلى للحديث عن فلسطين وجمالها فعلا وليس قولًا، ورسالة لكل شاب أن هناك الكثير من الجمال المخفي في جبال ووديان فلسطين".