بعكس معظم الأطفال في عمره، يستيقظ بسام (14 عامًا) ليبحث عن قوت يوم أسرته، فيتجول قاطعًا مسافات طويلة، بكرتونة بسكويت أملًا في بيعها.
بسام الذي طلب عدم كشف هويته يقول: "اضطررت إلى هذا العمل للظروف المالية الصعبة لأسرتي"، مبينًا أن مرض والده دفعه وشقيقه إلى ترك مقاعد الدراسة لتلبية احتياجات عائلتهما.
كما أن ضيق الحال لم يمكنه من شراء المستلزمات المدرسية، واضطر إلى توفير ما يبتاع به لأهله، وفق حديثه.
ويضيف: "نفسي أرجع أكمل مدرسة، لكن كيف بدنا نعيش؟! فوالدي مريض بالقلب والسكري ولا يقوى على العمل".
ويتسبب الحصار المشدد الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 14 سنة بأوضاع اقتصادية صعبة، تلقي بظلالها على مختلف جوانب الحياة، وحقوق الإنسان.
بدت عليه حالة الانشغال في تجهيز عدته قبل الانطلاق إلى أحد البيوت لمعالجة المشكلة، إذ يطبق تعليمات مُعلمه في السباكة بحذافيرها، فمنذ بداية العام الدراسي بدأ علي (15 عامًا) دوامه في ورشة سباكة بدلًا من ذهابه إلى المدرسة كزملائه.
علي، الذي طلب أيضًا عدم كشف هويته، لم يتجاوز من عمره 15 عامًا، وقد تسلل إليه اليأس من الدراسة، في إثر رسوبه في إحدى المراحل، فلجأ إلى العمل وترك مقاعد الدراسة.
عمل والده على البحث عن صنعة يتعلمها، ويكتسب فيها خبرة ليشغل أوقات فراغه.
يقول علي: "بعد تركي المدرسة أصبحت أساعد والدي في مصاريف البيت"، لكنه يقر بالإرهاق، قائلًا: "العمل متعب ومدة الدوام طويلة".
ووافق 12 حزيران (يونيو) اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي أقرته منظمة العمل الدولية لتركيز الاهتمام على مدى انتشار عمل الأطفال في العالم، وتعزيز الجهود للحد منه.
ويشير تقرير للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني صدر في نيسان (أبريل) الماضي إلى أن نسبة الأطفال العاملين (بأجر أو دون أجر) في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغت نحو 3% من إجمالي عدد الأطفال في الفئة العمرية (10-17 سنة)، بواقع 4% في الضفة الغربية و1% في قطاع غزة، و6% أطفال ذكور مقابل 0.2% من الأطفال إناث).
وبلغت نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس ويعملون 1%، بواقع 1% في الضفة الغربية و0.5% في قطاع غزة، وعلى مستوى النوع بلغت النسبة 2% للذكور مقابل 0.1% للإناث.
وكان نشاط التجارة والمطاعم والفنادق هو المشغل الرئيس للأطفال العاملين في سن (10-17 سنة) في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت النسبة 41% مقابل 58% على التوالي، ويليه نشاط التعدين والمحاجر والصناعة التحويلية في الضفة الغربية بنسبة 21%، أما في قطاع غزة فكان النشاط الزراعي هو المشغل الثاني للأطفال العاملين بنسبة 14%؛ وفق بيانات الإحصاء.
عمل مشروط
نائب المدير العام للتفتيش وحماية العمل مدير دائرة السلامة والصحة المهنية في وزارة العمل شادي حلس يقول: "إن قانون العمل الفلسطيني في باب تنظيم عمل الأحداث المادة (93) يحظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن 15 عامًا".
في حديث مع صحيفة "فلسطين" يشير حلس إلى أن الأحداث هم من 15- 18 عامًا، ويجوز تشغيلهم في سوق العمل المحلي، وخلال زيارات تفتيشية في وزارة العمل للمنشآت إن أي طفل يعمل في منشأة وسنه أقل من 15 سنة يوجه صاحب العمل إلى تسريحه فورًا، وإلا يعرض نفسه للمساءلة القانونية وتحويله إلى النيابة، لمخالفته القانون.
ويلفت حلس إلى أن يستثنى من ذلك الأطفال الذين يعملون لدى أقاربهم من الدرجة الأولى، فلا يمكن تطبيق القانون عليهم، ولكن مع التوعية بإجراءات السلامة والصحة المهنية للمحافظة على صحة الطفل.
ويوضح أن عمل الأحداث مرتبط بشروط وظروف العمل، ومن ضمنها أن على صاحب العمل القيام بكشف طبي للطفل، ولا يشغله بأعمال خطرة ومضرة بالصحة، ويمنع تشغيله في الأعمال الليلية، ويمنع إعطاؤه ساعات عمل إضافية، أو تشغيله في أماكن نائية وأن يكون المكان بعيدًا عن الأمراض، وأن تخصص ساعات العمل بحيث لا تزيد على ست ساعات متواصلة، ويحظى بثلاثة أسابيع إجازة سنوية.
خلال جولات سابقة، ضبطت وزارة العمل 240 منشأة مخالفة لقانون عمل الأحداث، واتخذت الإجراءات القانونية بحقهم.
ويبين حلس أن الاحتلال هو السبب الرئيس في عمل الأطفال لما خلفه من أزمة اقتصادية على أهالي القطاع، فالظروف الصعبة وتدني دخل الأسرة يدفعان الأهالي لإرسال أبنائهم لسوق العمل لتأمين قوتهم اليومي، وزيادة دخل الأسرة.
ويضيف: "بعض الأحداث يعانون تدنيًا في التحصيل الدراسي، فيلجأ الآباء إلى إرسال أبنائهم للورش بهدف تعليمهم صنعة ومهنة يكتسبون فيها رزقهم ويشقون طريقهم، أيضًا المشاكل الاجتماعية والأسرية تدفع الأطفال للعمل في السوق المحلي".
وتنظم وزارة العمل حملات تهدف توفير بيئة عمل آمنة للأحداث، وللتوعية بخطورة تشغيل الأطفال وانتهاك القانون، وعلى المؤسسات النقابية أن تنشر الثقافة بحقوق الأطفال في إكمال تعليمهم، وتلقي الرعاية والرفاهية المطلوبة لينشئوا نشأة صحية.
اختراق للحقوق
في السياق، يقول الحقوقي صلاح عبد العاطي: "الأطفال أبرز الفئات التي ينتهك الاحتلال حقوقها".
وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، يشير عبد العاطي إلى الحصار المستمر لقطاع غزة وعدوان الاحتلال عليه، ما يترك آثاره على الأطفال، ويؤدي إلى نقص في احتياجاتهم المختلفة، فضلًا عن الآثار النفسية وأمراض سوء التغذية.
ويبين أن جرائم الاحتلال هذه تأتي ضمن إطار أوسع ضد الأطفال الفلسطينيين، لحرمانهم الحق في الحياة، إذ استشهد قرابة 3016 طفلًا منذ انتفاضة الأقصى، وإنه يستمر في سلب أرضهم بالضفة، وإعاقة تحركهم وتنقلهم بسبب المستوطنات وغيرها، ويأسر العديد منهم.
وبشأن عمل الأطفال، يبين عبد العاطي أن الأوضاع التي يعيش فيها الفلسطينيون دفعت أطفالًا للعمل، لعدم تمكن عائلاتهم من توفير احتياجاتها.
وينبه إلى أن عمل الأطفال محظور في القوانين الدولية والفلسطينية، لأنه يجعلهم عرضة لانتهاك حقهم في الصحة والتعليم واللعب وغيرها من الحقوق التي يجب أن يتمتعوا بها.
ويدعو عبد العاطي السلطة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص إلى بذل جهد كبير للحد من عمل الأطفال، مؤكدًا أهمية احترام حقوق الأطفال، والحد من انتشار عملهم، وزيادة جهود الجهاز الرقابي في وزارة العمل، وتكامل أدوار كل الأطراف في إيجاد سياسة وطنية تستجيب لاحتياجاتهم.