"44 شجرة، فيها دمنا وعرق أجدادنا، وقوت يومنا وحبنا لأرضنا".. كلمات خرجت من قلب المزارع حمد جازي الذي يعتصر ألماً وحزناً على أشجار الزيتون التي زرعها والده، قبل أكثر من 45 عاماً، في أرضه الزراعية في بلدة الساوية جنوب مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، وأقدم مستوطنون قبل أيام على حرقها وقطعها.
صوت جازي (54 عاماً) المتحشرج، خرج عبر سماعة الهاتف حزيناً إلى جانب أصوات ماكينة حصاد القمح التي يقف إلى جانبها، على بعد مسافة قصيرة من تجمع استيطاني يهدد التهام أرضه الصامدة كصمود أشجار الزيتون فيها.
تلك الأشجار الـ44 وأكثر، لم تكن أولى الأشجار التي قطعها مستوطنو جماعات "دفع الثمن" و"تلال الجبال"، الذين يتخذون من مستوطنة "رحاليم" مقرا لهم محيطين ببلدة الساوية من الجبهتين الغربية والجنوبية، وتحاصر المزارعين وأراضيهم.
وتصاعدت شراسة اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية، بشكل كبير عقب إعلان رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، في إبريل/ نيسان المنصرم تنفيذ خطة ضم اراضي واسعة من الضفة، ما شكل تحدياً خطيراً للمزارع الفلسطيني للبقاء في أرضه المتمسك بها ويعض عليها بنواجذه.
وأحدث تلك الجرائم التي وثقها مؤسسات حقوقية ومواطنون، احتراق 9000 دونما زراعيا في منطقة الأغوار شمال الضفة الغربية بسبب تدريبات الاحتلال، دمرت خلالها محاصيل القمح والشعير ومراعي المزارعين فيها.
وفي تفاصيل الأحداث التي رواها المزارع جازي لـصحيفة "فلسطين"، ذكر أن الاحتلال والمستوطنون قطعوا وحرقوا أكثر من 450 شجرة زيتون يهتم بهم ويرعاهم منذ أكثر من 40 عاماً.
وأوضح المزارع الذي يرافقه أبناؤه الثلاثة في عمله الذي لا ينقطع عن أرضه رغم موسمية محاصيلها، أن جماعات "تدفيع الثمن" يعمدون استهداف المزارع في الضفة الغربية، للعمل على بيع أرضه وتهجيره منها.
ووثق اعتداءات المستوطنين بأرضه الزراعية، مفيدا بأن عام 2008 قطع المستوطنون 80 شجرة، وفي عام 2012 قطعوا 90 شجرة أخرى، وكذلك عام 2018 قطعوا 80 شجرة، وكلها أشجار زيتون.
وأوضح جازي أن سلطات الاحتلال تعمدت عامي 2007-2008م، على استقطاب جماعات استيطانية من "الزعران وقطاع الطرق"، للعمل على إتلاف وتكثيف الاعتداءات على مزارعي بلدة الساوية، ومصادرة أراضيها وإحراق محاصيلها.
وقال: "هذه الأشجار هي مأكلنا ومصدر قوتنا وقوت أولادنا، ومهما فعلوا واعتدوا لن نتركها لهم، وسنبقى حارثين وزارعين لها، رغم الاستهداف المتعمد لنا".
وأضاف: المزارع الفلسطيني يقع في عين الاستهداف الإسرائيلي، الذي يمثل العائق وحجر العثرة أمام مشاريع التهويد والاستيطاني بصموده، والمتمثلة بمشروعه الجديد "خطة الضم" لأراضي الضفة.
وأكد جازي أنه رغم القطع والحرق والتهديد والملاحقة، مستمرون في حرث وزرع وحصاد الأشجار والمزروعات التي تقبلها تربتنا الفلسطينية في بلدة الساوية، التي تشتهر بالزراعة الموسمية الجبلية.
وعبر المزارع في الوقت ذاته، عن ألمه الشديد لغياب الدعم الرسمي للمزارع الفلسطيني، مستدلا بمعاناة في نقل المياه لري المحاصيل في أراضيه الزراعية الممتدة في بلدته، قائلاً: نعاني من عدم وجود آبار ارتوازية ومصدر مائي دائم لري المزروعات، ما يجبرنا على نقلها من مكان بعيد رغم اعتداءات الاحتلال ومعيقاته".
ووفق تقرير حقوقي، شهد مايو/ أيار المنصرم، تدمير الاحتلال لـ (277) منشأة من محلات تجارية ومنشآت زراعية وبركسات وغيرها، وبلغت عدد عمليات إطلاق النار التي نفذها جنود الاحتلال ومستوطنيه بحق المواطنين والمزارعين (98) اعتداء، فيما بلغت عدد اعتداءات المستوطنين (47) اعتداء.

