بالأمس وبعد صلاة العصر في أكبر مساجد رام الله وقف شيخ يخطب الناس في مصيبة المخالفة الشرعية المتمثلة في التباعد في صلاة الجماعة وعدم رصّ الصفوف، وساق آيات قرآنية ترهب من يخرج عن شرع الله وأسقط ذلك على هذا المصلّي الذي يريد الوقاية ولم يرصّ كتفه بكتف من يقف جنبه، رفعت يدي بعد أن أنهى خطبته العصماء وقلت له أليس من الشرع هذه القاعدة الفقهية: "درء المفاسد خير من جلب المصالح"، وإذا كان الشرع الحنيف يخفف عن الناس الفرائض حالة وقوع الضرر ألا يخفف عنهم سنّة مثل هذه؟ ثم إننا أمام خطر سلطات الاحتلال حيث تريد ضمّ الضفّة ونحن لم نخرج بعد من نقاش ضمّ صفوفنا في الصلاة؟؟ وانقسم الناس في المسجد حيث كانت حجة المؤيدين، ها هي الحسبة بجوارنا وهي مكتظة بالناس!( اصبحت الحسبة نموذجا يقاس عليه) بينما المعارضون للشيخ قالوا: إن هذا مسجد يؤمه الناس من كل القرى المجاورة فلو جاءه شخص مصاب ودخل المسجد من غير هذه الإجراءات الوقائية ستنتشر العدوى ولن يسهل السيطرة عليها. قلت له يا شيخ لا ضرر من إجراءات الوقاية ولكن الإهمال بها ضرره كبير والشرع مع دفع الضرر ورفع الحرج رحمنا ورحمك الله.
لست خبيرا في انتشار الأوبئة ولكن كمراقب تم ّ ضخ المزيد من جرعات التوعية في بداية الامر وتفاعل الناس معها بشكل إيجابي، ولكن اليوم تجد من يسخر ممن يحتاط ويلبس كمامة،( قال لي أحدهم لو بيدي الامر لجلدت كلّ من يلبس كمامة على المنارة) وهناك من يروّج بأن الكورونا كذبة عالمية مشت علينا وصدقناها ... الخ. وعزّز حالة الارتداد عن ثقافة الوقاية ما ينشر على مواقع التواصل من فيديوهات متناقضة ساهمت في بلبلة الناس. وكذلك الضرر الاقتصادي الكبير والمنحى السياسي ودخول من يستفيد ويركب الموجة مما يظهرها كمؤامرة عالمية طبخت في المختبرات السياسية ؟!
وأبسط ردّ على الذين يتحلّلون من لباس الاحرام قبل أن ينتهي موسم الحج هو أن نسأله من تصدّق من الدول؟ إذ ليس من المعقول أن يكون الكلّ كاذبة، لا تريد أن تصدّق وتستوعب ما زاد عن مائة وعشرة آلاف ضحية في الولايات المتحدة، وما جرى في إيطاليا واسبانيا وبريطانيا وفرنسا وما يجري اليوم في أمريكا الجنوبية ونموذج البرازيل؟ حسنا ولا تريد أن تصدّق الصين وروسيا مثلا؟ ومن الدول الإسلامية والعربية الا تصدّق تركيا وايران وماليزيا واندونيسيا وبقية الدول إضافة الى منظمة الصحة العالمية؟ لا يمكن أن يجتمع كل أولئك على كذبة واحدة.
لن يضيرنا أن نستمر بإجراءات الوقاية أبدا بل بالعكس أصبحت هناك حماية من انتشار الانفلونزا العادية. التعقيم الدائم لليدين له فوائد كثيرة، عدم "التبويس" نعمة ما بعدها نعمة وهي ليست ضرورية ولا فائدة منها ويستطيع الانسان أن يعبّر عن مشاعره بمائة طريقة وطريقة. الافراح والمبالغة في حشد الناس أصلا أصبحت مسألة مرهقة وكنا نطالب بالتخفيف قبل هذا الوباء، لم لا يقتصر الفرح على الاسرتين فيجتمع ما قلّ ودلّ من الناس فنوفّر الوقت والجهد، اصبحنا نقضي الصيف متنقلين من فرح الى آخر دون أن نتمكن من التقاط أنفاسنا وقد اتسعت أخيرا لتشمل الفصول الأربعة.
والعودة إلى أصحاب الاختصاص في الامر هي الأصل، وهؤلاء ما زالوا يحذّرون وينذرون من موجات قادمة فالرباط الرباط في خنادق الوقاية رحمني ورحمكم الله.