فلسطين أون لاين

خاض غمارها في دولة قطر

أيمن زعرب.. معركة مع كورونا تنتهي بـ"الولادة الثانية"

...
أيمن زعرب
الدوحة-غزة/ نبيل سنونو:

"... لحظة فاصلة بين الحياة والموت، اعتقدتُ قبلها أنني أصبت بالسخونة بسبب الرشح، لكنني أُبلِغت بأن فيروس كورونا تسلل إليَّ على حين غرة، وربما سأودع زوجتي وأبنائي الثلاثة"؛ كلماتٌ لم يتوقع الفلسطيني المقيم في دولة قطر أيمن زعرب أن ينطقها يومًا، فهو لا يتخيل كيف انتقاه هذا الفيروس، ليخوض معه تحديًا مصيريًّا.

فراس، حلا، وأحمد أبناء زعرب الذين لا يزالون يدرسون في المرحلة الابتدائية، وزوجته المدرِّسة في إحدى المدارس القطرية، يقيمون معه في قطر التي قدم إليها عام 2001، حيث لم يتوقع أيٌّ منهم أن تشهد حياتهم اضطرابات لأي سبب كان.

وينحدر زعرب من مدينة رفح جنوب قطاع غزة الذي تشدد (إسرائيل) حصاره منذ 14 سنة، وكأنما يدلُّ لون بشرته على حنطة فلسطين التي يرتبط بها.

الرجل الذي يعمل في مجال المقاولات في قطر حيث وصل عدد الإصابات هناك منذ بدء الجائحة لما لا يقل عن 70158 وفق الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة العامة القطرية، لطالما اتخذ إجراءات الوقاية لتجنب أن يكون من المصابين.

"كنت أمارس عملي كالمعتاد مع أخذ الاحتياطات، هناك العديد من المجالات التي لم يكن العمل مسموحًا بها (بسبب كورونا) لكن مجالنا كان متاحًا، وحرصت على التواصل مع الآخرين عن بعد، ناهيك بأنني أرتدي القفازات والكمامة كلما تسوقت في المول، وأعقم يديَّ، والمشتريات والسيارة، وأخلع حذائي قبل دخول البيت، وكذلك ملابسي تُغسل أولًا بأول، لضمان عدم انتقال الفيروس".

وحتى زوجته لم تمارس عملها في المدرسة منذ نهاية إبريل/نيسان 2020، فضلًا عن أن الأولاد لم يلتحقوا بمدارسهم منذ مارس/آذار الماضي، ضمن الإجراءات التي تمنوا أن تحول بينهم وبين هذا الفيروس، الذي لم يُكتشف له علاجٌ بعد.

في مايو/أيار 2020 كان زعرب وأسرته في أتم الاستعداد لقضاء أوقات سعيدة في شهر رمضان الذي انتظروه طويلًا، إلا أن السخونة باغتته إلى جانب بعض السعال والرعشة.

هذه هي أعراض الرشح، هكذا اعتقد الأربعيني زعرب الذي قضى ثلاثة أيام على هذه الحال، لا سيما أنه لم يصب بضيق تنفس أو إسهال أو غيرها من المؤشرات التي كانت ستدفعه لتغيير اعتقاده.

وما عزز فرضية إصابته برشح معتاد هو توفر أسبابه، ومنها أنه يتعرض للتكييف في السيارة والمنزل بعد عودته من الخارج في ظل الأجواء الحارة.

"الأعمار بيد الله.."

لكنَّ استمرار الأعراض دفعه لإجراء التحاليل ومنها الخاصة بالدم ورسم القلب، لتكون النتيجة الأكيدة: "أنت مصاب بكورونا"، كان ذلك في 15 من الشهر المذكور.

من أين تسلل إليه هذا الفيروس؟ سؤالٌ حيَّر زعرب وطرحه في نفسه مرارًا، حتى وضع احتمالات عدة منها أن تكون زوجته أصيبت بكورونا ونقلته إليه، أو أنه أصيب به في موقع العمل.

كان الهم الأكبر هو إذا ما كانت الأسرة أصيبت أيضًا بكورونا، حيث قضى الأيام الثلاثة معها، لكنه يقول: "كنت بعيدًا عن زوجتي وأبنائي، وأرتدي الكمامة، وهذا ما طمأنني، إلى أن تأكدت من عدم إصابتهم بالفيروس".

في لحظة معرفة الإنسان بإصابته بكورونا، تعصف الأفكار به من كل حدب وصوب، إذا ما علمنا أن عدد الوفيات التي تسبب بها حول العالم تجاوز 400 ألف.

قضاء رمضان مع الأسرة، ومرافقتها مراحل الحياة لحظة بلحظة: عندما يتخرج الأولاد من المدرسة، ويلتحقون بالجامعة، ويتخرجون منها بمعدلات عالية، ثم يزفون إلى أزواجهم، ورؤية الأحفاد ومداعبتهم، وإكمال ما تبقى من عمره مع زوجته، مشاهد ربما دارت بخلد زعرب، وأصابه القلق حولها، لحظة مباغتته بنبأ إصابته بالفيروس.

لكن المفارقة أن زعرب لم يخف من إصابته بكورونا، بعكس ما هو متوقع، مرجعًا ذلك إلى أن الأعراض كانت تدل على أن "الإصابة خفيفة"؛ كما يصفها، بل إنه يدعو المصابين أيضًا إلى التخلص من التوتر والخوف.

يُفسّر ذلك: "ثورة التفكير صالت وجالت في نفسي بأهلي وأسرتي، أما المرض فالأعمار بيد الله، والإنسان لا يضمن أن يعيش ثانيةً حتى لو من غير مرض (...) كنت قلقًا فقط على مستقبل أولادي".

حسم زعرب أي تفكير هنا أو هناك بتطور المرض، بما تحلى به من الأمل، ومعطيات صحية توفرت لديه، وقد أُلْحِق بالحجر الصحي في الدوحة، حيث يبدي رضاه عن الرعاية التي تلقاها هناك.

الحنين إلى الأسرة التي كانت تقضي أيام شهر رمضان وعيد الفطر لأول مرة بعيدًا عنه، تغلب عليه الأب ما استطاع بالتواصل الإلكتروني.

"كنت أتواصل عبر الجوال، وبلا شك أصابني الشعور بالضيق لبعدي عنهم، لكنني كنت أبشرهم بأنني سأقضي فترة العلاج وأعود إليهم بالسلامة، أخبرتهم بذلك، وطمأنني أنهم لا يخرجون من البيت لضمان الوقاية من الفيروس"؛ يروي تفاصيل المواجهة مع كورونا.

مرارًا خاطبه أطفاله: "بابا أنت مش معنا في رمضان والعيد"، وكان يجيبهم: "هيني قريب منكم وإن شاء الله بنعيِّد مع بعض".

كان عيدًا "غريبًا" على هؤلاء الأطفال الذين لم يشترِ لهم أبوهم الألعاب، ليس فقط بسبب غيابه في الحجر، وإنما لالتزامهم البيت أيضًا للوقاية من كورونا، حتى لو لم يكن مصابًا.

داخل الحجر الصحي، صام زعرب رمضان، بل وست من شهر شوال أيضًا.

وهناك كان في غرفة مستقلة، تتوفر فيها أدوية الصداع، والسعال، وارتفاع الحرارة، والعصائر والفواكه، وما شابه.

يقول زعرب: إن أهم مساعد في مواجهة كورونا هو قوة المناعة، التي جنَّبته ضيق التنفس أو اللجوء للتنفس الاصطناعي، في ظل عدم وجود علاج جذري للفيروس.

أيام كسنين ليست عصيبة عليه فقط بل على عائلته أيضًا، وخصوصًا والده الذي يطالع في وسائل الإعلام أعداد الوفيات والمصابين بكورونا عالميًّا، وتسلل إليه الخوف بأن يتدهور حال ابنه الصحي، لكنه كان يبعث فيه الطمأنينة.

في الحجر كان يتصفح زعرب تطبيقًا إلكترونيًّا يوضح له حالته الصحية عبر دلالات الألوان: الأخضر سليم، الأصفر يبقى في الحجر الصحي، الرمادي إصابة محتملة، الأحمر مصاب.

كانت المفاجأة التي كأنما "أعادت إليه الحياة" وأخمدت البراكين في نفسه، عندما أظهر له التطبيق شفاءه من الفيروس.

وفي قطر لا يقل عدد المتعافين من فيروس كورونا عن 45935 شخصًا؛ كما يوضح الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة العامة.

الثالث من يونيو/حزيران الجاري كان زعرب على موعد مع مغادرة الحجر ليعود إلى أحضان أسرته، محملًا بالكثير من الدروس التي لن ينساها وينصح الناس بها: الوقاية خير من العلاج، والاستهتار بالفيروس خطأ جسيم، والإصابة بكورونا إن وقعت يجب أن تواجه بالأمل والإيمان بالله، وعلى هذا يحتفل الرجل بـ"ولادته الثانية"؛ كما يحب أن يصف خروجه من هذه "المعركة".