هي ذات الجريمة التي تمارسها حكومة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني على مدار الساعة منذ نشأة هذا الاحتلال: فعملية قتل إنسان من ذوي الاحتياجات الخاصة بدم بارد ومع سبق الإصرار ووفق تعليمات من أعلى مستوى سياسي لا تبتعد كثيرًا عن قتل الحياة الفلسطينية محدودة الحركة والإمكانات والاعتداء بكل أشكال الاعتداء على كل مكونات هذه الحياة الفلسطينية، وما فعلوه مع إياد يؤكد عدوانيتهم الساديّة أولًا للحياة الفلسطينية، فالفلسطيني الجيّد عندهم هو الفلسطيني الميّت وحتى لو كان معاقًا معطّل الفعل والإمكانات.
واللافت أيضا أن تعليمات الجريمة التي يتمثلّها الجندي أو الشرطي ليست من بنات عقله فتحمل رقبته وحدها وزر الجريمة بفعل فردي (كما يحاولون تصدير جريمتهم حال انفضاح أمرهم) وإنما هي بناء على توجيهات وتعليمات من أعلى مستويات أخذ القرار، لذلك فإن الجريمة هي جريمة هذه الحكومة العنصرية القاتلة.
ولقد أوجز عضو الكنيست "عوفر كسيف" عندما جاء ليقف على منبرهم الأسود ويضع النقاط على حروف الجريمة فقد وصفها الوصف الدقيق بعنصريتها المفرطة، وأنه لو كان يهوديًّا لاستحال أن يتعرض للقتل ولكن كونه عربيًّا فإنه يحمل مؤهلات القتل وأن تقع عليه الجريمة بهذه الصورة البشعة، ثم حمّل المسؤولية إلى الحكومة والحركة الصهيونية وهذا المجتمع العنصري الذي يسكت عن ممارسة مثل هذه الجرائم ويصرّ على استمرار تكرارها.
دلالات هذه الجريمة كثيرة أهمها أنها جاءت لتجسّد هذه الروح الشريرة الساديّة العنصرية العاتية، قتل لسبب واحد وهو أنه فلسطينيّ يستحق القتل، وقد حظيت هذه الجريمة بالتصوير بينما في رقابهم الألوف المؤلفة التي لم تلتقطها الكاميرا، تلك المجازر وحالة التوحّش الشرسة في دمائنا منذ النكبة التي منها ما ذاع صيته ومنها ما طوته ذاكرة النسيان ولم يكن التصوير حاضرا كما هذه الأيام.
ومن هذه الدلالات الهامة أن مجرمًا كهذا يقوم بهذه الجريمة بأن ينخّل جسد فتى من ذوي الاحتياجات الخاصة بمدفعه الرشاش هو نتاج تربية وتنشئة منذ نعومة أظفاره على الحقد واللؤم والكراهية المطلقة للآخر، كتلك السموم التي تخزنها الأفعى السامّة فتنفذه في جسم الضحية التي تقع بين يديها دون رحمة أو رعشة ضمير . فذاك الشرطي الأبيض الأمريكي الذي قتل الإنسان الأسود بهذه الطريقة البشعة التي صدمت مشاعر كلّ البشر لا تزيد البتّة على ما فعل هذا الصهيوني، ذات التربية وذات العنصرية، إلا أن الأكثر بشاعة في هذه هو أن الضحية زيادة على تلك من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وعندما ظهرت داعش بتوحشها الصادم للمشاعر الإنسانية وقف العالم كله على قدم وساق، أما إذا كانت ذات الممارسات المتوحشة تأتي من هذا الاحتلال المدلّل فيختلف الأمر، لنستنتج أن هناك عنصرية سوداء أيضا تجتاح أصحاب ردّات الفعل على مثل هذه الجرائم فتصنف من حيث المصدر ومرتكب هذا التوحش. وتميّز في طريقة الإدانة ولغة الإدانة واتخاذ الموقف السياسي الذي يتناسب مع حجم الجريمة.
نؤكد أن الموضوع إضافة إلى أنه إنساني كاشف لحقيقة هذه الدولة المارقة كما دولة داعش بفارق وحيد أن هذه مستمرة منذ اثنتين وسبعين سنة على ذات النهج أي بما يزيد على عشرة أضعاف دولة داعش. وهذه لم يقف لها العالم إلا بالإدانة الخجولة أما داعش فوقفوا لها بالحرب والاستئصال وطي صفحتها من جذورها، وقد سخّرت لهذه الحرب الأقلام والأفكار والمال والسلاح وكلّ شيء.
يجب أيضا ألَّا نتوقف عند توصيف الجريمة بل علينا أن نقف مع أنفسنا: ماذا علينا أن نفعل لإيصال هذه الجريمة بحجمها الحقيقي إلى أن تصبح قضية عالمية تعرّي الجلّاد وتنتصف للضحية، يجب أن تتحول هذه الجرائم إلى مواد إعلامية وفنية بمهنية عالية لتخترق كل الدعاية المضادة التي يتقن فيها المجرم صورة الضحية وهو يمارس أعلى درجات الإعلام.