فلسطين أون لاين

الطرد أم الأبارتهايد؟ العوامل الدافعة والعوامل الكابحة (1-2)

...
د . وليد سالم

منذ نشوء القضية الفلسطينية في القرن التاسع عشر وحتى اليوم، تمثلت تلك القضية بأن منشأها لا يعود إلى شعبها فقط، بل هي قضية ابتدعت لهذا الشعب من خارجه، لذا لا يوجد شيء اسمه المشكلة الفلسطينية، وإنما هنالك مشكلة الاستيطان الاستعماري الذي فُرِض على فلسطين من خارجها، بدءًا بالمستوطنات الاستعمارية التي أقامها كل من الأنجليكانيين الألمان والأمريكان في فلسطين، منذ بداية القرن التاسع عشر، للتمهيد للاستيطان الصهيوني اللاحق فيها. وقد خلق هذا الاستيطان الاستعماري منذ البداية ما أُطلق عليه اسم "المشكلة العربية" التي تحول دون توسّعه، ومنذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم عالج هذه المشكلة بأساليب الاستئصال والترحيل الداخلي والخارجي، بما في ذلك عمليتي الترحيل الكبيرتين في عامي 1948 و1967ولا تزال عمليات الترحيل هذه مستمرة حتى اليوم، ولكن الشعب الأصلي لم ينهزم رغم كل ما تم تنفيذه من أعمال اقتلاع ومجازر وتطهير عرقيّ وتطهير مكانيّ.

وفي المشهد الإسرائيلي لما يسمى أحزاب اليمين اليوم، هنالك ثلاثة توجهات بشأن مصير الشعب الفلسطيني، اثنان لا يزالان يمثّلان الأقلية ضمن معسكر "اليمين" المذكور، والثالث هو المهيمن . الأول هو الموقف الداعي للقيام بعملية طرد جديدة للفلسطينيين من بلادهم والذي تدعو له أوساط من المستوطنين وأحزابهم كحزب "تكوما" العضو في كتلة "يمينا" والذي يرأسه بتسلئيل سموتريتش، وأوساط من حزب "البيت اليهودي" العضو أيضا في كتلة "يمينا" والذي يقوده رافي بيريتس، وحزب "عوتسما يهوديت" المنبثق عن حركة "كاخ" ويقوده إيتمار بن غفير، وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان الذي يدعو لطرد فلسطينيي المثلث عبر تبادل للأراضي. هذا الموقف الداعي للاستحواذ المنفرد على فلسطين سنسميه هنا باسم الموقف الاستيطاني الاستعماري البحت.

يدعو الموقف الثاني إلى فرض الجنسية الإسرائيلية على فلسطينيي الضفة كليا أو على المنطقة ج بالحد الأدنى، مع ترك غزة جانبا، وهو ما سنسميه بالموقف الداعي للانتقال من الاستيطان الاستعماري إلى الأبارتهايد نظرا لأن الجنسية التي يدعو لفرضها لن تترتب عنها حقوق مواطنة متساوية مع اليهود في دولة (إسرائيل)، ويدعو لهذا الموقف الثاني أوساط أصبحت هامشية من الليكود، والتي يمثلها رئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، والوزيرة تسيبي حوتوفيلي وآخرين، إضافة إلى أوساط من حزب "يمينا" ولا سيما نفتالي بينيت وآييلت شاكيد، بالإضافة إلى الصحافية في صحيفة "الجروساليم بوست"، كارولين غليك التي ألّفت كتابًا عنونته باسم "الحل الإسرائيلي: دولة واحدة للسلام في الشرق الأوسط"، الداعي لضمّ كل الضفة وتجنيس كل فلسطينييها بالجنسية الإسرائيلية، كما يدعو لنفس الطرح يوعاز هندل من حزب "ديريخ آرتس" المنشق عن حزب "تيليم" الذي يرأسه موشيه يعلون، وكذلك الحاخام، حاييم دروكمان.

الموقف الثالث وهو الموقف المهيمن، يمثله الليكود وقيادته الرسمية التي يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كما يدعو له حزب "تيليم" برئاسة موشيه يعلون وأوساط من حزب "ديريخ آرتس" يقودها تسفي هاوزر، جنبا إلى جنب مع الأحزاب الدينية. ويدعو هذا الموقف إلى استمرار الاستحواذ على الأرض ولكن بدون منح حقوق المواطنة والجنسية لفلسطينيي الضفة، كما أنه يرفض منحهم حتى حقوق الإقامة الدائمة التي فرضت على فلسطينيي القدس الشرقية بعد حرب حزيران من عام 1967. وسنُسمّي هذا الموقف بالموقف الاستيطاني الاستعماري الممزوج بممارسات الأبارتهايد التي تشمل الاستثناء السياسي، والتهميش الاجتماعي والتمييز القانوني.

الموقفان الأول والثاني واضحان، ويكشفان عن أجندتهما بسفور، أما الموقف الثالث المهيمن فهو يراوغ ويبقي وضع الفلسطينيين معلقا بدون حقوق وفي إطار "المسكوت عنه" إلى حين ظهور ظروف ناضجة لمعالجته.

الموقفان الأول والثاني، لا يلتفتان للمواقف الإقليمية والدولية، أو على الأقل يتعاملان معها على أنها غير قادرة أو غير مستعدة لتحدي ما تفعله (إسرائيل) لتغيير مساره. كما أنهما لا يعيران اهتماما للديمغرافيا الفلسطينية، فالأول يريد حل هذه المشكلة من خلال مزيج من أساليب الطرد الصامت، والطرد الذي يأتي تحت الضغط ولكنه يظهر على أنه هجرة اختيارية، أو الطرد من خلال الإبعاد الفردي والجماعي في فترة حرب أو حتى بدونها. أما الثاني فقد طور خطابا ديمغرافيا جديدا يحاجج فيه بأن نسبة الزيادة السكانية في (إسرائيل) بسبب الولادات الكثيفة في صفوف الحريديين باتت أكبر من نسبة الزيادة السكانية للفلسطينيين، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى تكوُّن أغلبية سكانية يهودية واضحة في العقدين القادمين وذلك رغم منح الجنسية الإسرائيلية لكل الفلسطينيين.

الموقف الثالث، لا يعير اهتماما كبيرا للمواقف الدولية، ولكنه مع ذلك يريد تنسيق خطواته قدر الإمكان مع الدولة الأم للدولة الاستيطانية الاستعمارية الإسرائيلية، وهي الولايات المتحدة الأميركية. والهدف هنا هو أن لا يقف وحيدا بدون سند يقيه من القضاء الأممي.

وعارض هذا الموقف الثالث بعض مواقف الولايات المتحدة في عهود رؤساء أميركيين سابقين كباراك أوباما، ولكن حتى في عهد أوباما تمكن هذا الموقف الثالث من الحفاظ على موقف أميركي داعم يمنع تقديم (إسرائيل) والإسرائيليين للمحاكم الدولية. ويريد هذا الموقف الحفاظ على هذا الدعم الأميركي لمنع نزع الشرعية عن (إسرائيل) كما حصل مع النظام العنصري السابق في جنوب إفريقيا.

المصدر / عرب 48