هل تهتم دولة الاحتلال، أو قل هل يهتم نتنياهو، بالتصريحات العربية والدولية الرافضة لعملية ضم ٣٠٪ من أراضي الضفة للسيادة الإسرائيلية؟! الإجابة عن هذا السؤال تتطلب النظر في الأمر من زوايا ثلاث على الأقل.
الزاوية الأولى تتحدث عن موقف نتنياهو شخصيا من المسألة، ومن هذه الزاوية فإن نتنياهو متحمس لإجراء عملية الضم وفرض السيادة في بداية شهر مايو، ومتحمس لتطبيق صفقة القرن، حيث يعد الضم فرصة جيدة (لإسرائيل)، وقرارا كبيرا له شخصيا، يناسب أن يختم به حياته في كرسي قيادة الحكومة.
الزاوية الثانية تقول إن ثمة تحذيرات من الجيش وقادة الأجهزة الأمنية تحكي أخطارا حقيقية على (إسرائيل). ثمة خطر انفجار ردود فعل فلسطينية عنيفة وقوية. وثمة خطر أن تذهب دول أوروبية للاعتراف بدولة فلسطين، وتقف ضد الضم. وثمة خطر على التطبيع بدأ يتجلى في مصر والأردن ودول الخليج. هذه الأخطار بدأت تطفو على سطح الإعلام العبري الذي بدأ يحذر من عملية الضم، ولا يرى أنها ضرورية للدولة. وبعضم قال إن نتنياهو قد يغامر بإهمال أهمية التطبيع لصالح قناعته بأهمية الضم، والإسراع فيه بلا تأخير وفي هذا خطر على المستقبل!
والزاوية الثالثة تقول إن قطاع المستوطنين واليمين المتطرف الذي رفض صفقة القرن لأنها تشير إلى دولة فلسطينية، يطالب بضم كل الضفة الغربية، وعدم التوقف عند ٣٠٪ من أراضيها، وهؤلاء يطالبون بتسريع إجراءات الضم وفرض السيادة، وعدم الالتفات إلى الاحتجاجات الفلسطينية، والعربية، واحتجاجات الدول الأوروبية. هؤلاء يشجعون على الضم لكامل الضفة انطلاقا من أبعاد دينية أيديولوجية. ويرون أن تردد أصوات عديدة في المجتمع العبري هي أصوات تخون العقيدة اليهودية التوراتية!
في ضوء هذه الزوايا الثلاث، وفي ضوء تعمق دلالاتها، ونسبتها إلى أطرافها في دولة الاحتلال، ومجتمع الدولة المحتلة، يمكن القول إن نتنياهو سيحسم موقفه بالبدء في إجراءات الضم وفرض السيادة في أوائل شهر مايو، ولن يلتفت خلفه، وسيقفز عن تحذيرات الجيش، وتحذيرات المحللين والمستشرقين، وسيضع خطة لإدارة الأزمة المحتملة مع العرب، والمحتملة مع دول أوروبية بعينها. وسيستند للموقف الأميركي، الذي قد يتغير إذا ما فاز جون بايدن برئاسة البيت الأبيض في الانتخابات القريبة القادمة.
هذا وقد تكون تصريحات الجيش، والأجهزة الأمنية، جزءا من عملية دراماتيكية لإظهار نتنياهو بمظهر بطل (إسرائيل)، والزعيم الأهم بعد بن غوريون. وربما تكون تحذيرات الجيش مخدرات يتم تصديرها للسلطة، لكي تحتوي ردود أفعال الفلسطينيين. إن الضم وفرض السيادة في النهاية قرار سياسي، اتخذه ترامب، ونتنياهو وغانتس، وليس قرارا للجيش، وعلى الجيش تنفيذ القرارات السياسية. وعلى هذا الاحتمال الراجح يجدر بالسلطة والفلسطينيين بناء موقف موازٍ لهذه الإجراءات، ومكافح لهذه الأخطار.