قرارات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، يدلل على أن (إسرائيل) تعيش مرحلة العلو الكبير، ولا يمكن مواجهتها دون فهم حقيقي لعوامل القوة والضعف، وسأفرد هذا المقال للإجابة عن سؤال: ما عوامل وأسباب نجاح المشروع الصهيوني...؟ وأين تقع كلمة السر في نجاح دولة الاحتلال الإسرائيلي…؟
ممكن أن نلخص عوامل نجاح (إسرائيل) بعوامل ذاتية متعلقة بالصهاينة أنفسهم، وعوامل موضوعية أخرى متعلقة بشعبنا الفلسطيني وأمته العربية والإسلامية، وبالنظام العالمي.
أولاً: العوامل الإسرائيلية.
سأقتبس هذه العوامل مما قاله رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاضرة له يتحدث عن المربع الحديدي لدولته وهذا المربع أضلاعه تعكس سر تفوق (إسرائيل) في المنطقة، وضمان ديمومتها واستمراريتها.
يقول نتانياهو: لا بقاء ومستقبل لدولة (إسرائيل) دون قوة عسكرية (طائرات مقاتلة وسايبر وقبة حديدية الخ..)، والقوة العسكرية غير ممكنة إلا بالمال، والمال لا يمكن كسبه من الضرائب التي تجبى من المستثمرين لأنها ستطرد الاستثمار، فالحل في الاقتصاد الحر، ومجموع القوتين الاقتصادية والعسكرية خلق لنا القوة السياسية، وما سبق لا يكفي بدون القوة الروحانية. وعليه فإن الأضلاع الأربعة للمربع الحديدي هم: (القوة العسكرية – القوة الاقتصادية – القوة السياسية – القوة الروحانية).
من هنا تنطلق (إسرائيل) في تصدير صورتها للعالم، أنها دولة تمتلك قوة عسكرية نووية هائلة، وتستطيع حسم المعارك عبر هذه القوة، ولكنها تلوح بالقوة العسكرية مقابل تقديم قوتها الاقتصادية للأمم، ووفق هذه المعادلة تتضح أسباب قوة (إسرائيل) السياسية الآخذة في التزايد في الفترة الأخيرة، فمن لم يأت بالقوة الاقتصادية سيأتي بالقوة العسكرية وهكذا.
ثانياً: العوامل الفلسطينية والعربية والإسلامية.
لا أحد يختلف بأن كل ما تريده (إسرائيل) من الشعب الفلسطيني ومن الدول العربية والإسلامية هو مزيد من التفتت والتفكك، ومزيداً من التشرذم والانقسام، والضعف والهوان، ومزيداً من الجهل وعدم التقدم العلمي والتكنولوجي، حتى تستطيع (إسرائيل) من أن تجد لها مكانة لتتبوأ من خلالها مركز الصدارة والريادة على حساب العرب والمسلمين.
ففي تاريخ 2/6/1982 كتب المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" العبرية زئيف شيف، "بأن ما يمكن أن يحدث لتحقيق مصالح (إسرائيل) في العراق هو حل العراق إلى دويلة شيعية، ودويلة سنية، وفصل الجزء الكردي". وهذا يؤكد طبيعة الفكر الاستراتيجي الصهيوني، والذي يتميز عن غيره من الأفكار الاستراتيجية العربية، بأن ينتقل من طور النظرية إلى طور التطبيق، وفعلاً تحقق ذلك اليوم فالعراق دخل في أتون صراع طائفي يهدد وحدته الجغرافية، ودولة السودان أصبحت دولتين، الأولى في الجنوب وتربطها علاقات وطيدة مع (تل أبيب)، والثانية في الشمال يتم تدجينها عبر حصار أمريكي ظالم، وربما ينتظر هذا المصير العديد من الدول العربية والإسلامية.
ثالثاً: عوامل متعلقة بالمجتمع الدولي.
هناك مصالح للدول الكبرى في بقاء دولة (إسرائيل) قوية متماسكة، ولعل أهم ملامح هذه المصالح هو التخلص من المشكلة اليهودية في أوروبا، وغيرها، وبناء دولة فاصل بين آسيا وإفريقيا تشكل عائق أمام أي نهضة حضارية إسلامية، وبناء قاعدة عسكرية تحافظ على مصالح الدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن ما هو السر وراء نجاح (إسرائيل)؟
أعتقد أن نجاح (إسرائيل) ناتج عن:
1. ما يميز المشروع الصهيوني عن غيره هو نجاحه في خلق معادلة معاكسة تقوم على أساس أن الرعايا اليهود في شتى أنحاء المعمورة هم مكلفين بحماية ودعم ومساندة إسرائيل (أرض الميعاد).
2. غياب المشاريع والأفكار الاستراتيجية العربية.
3. ضعف النظام الإقليمي العربي وانشغاله في التحديات التي يعيشها.
4. دعم ومساندة الغرب للكيان الصهيوني.
5. اهتمام (إسرائيل) بالصناعة والتكنولوجيا وعالم الاتصالات والتنمية وجودة التعليم، كل ذلك مؤشر لنجاح (إسرائيل).
إن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي في الشرق الأوسط، فمن وجهة نظري فإن أهم ما يقوم به هو السيطرة على مقدرات المنطقة، وتطويع القرار السياسي العربي والإسلامي بما يخدم المصالح الصهيونية، ومنها قبول (إسرائيل) كدولة محورية في إقليم الشرق الأوسط.
ولكي تحقق ذلك فإن (إسرائيل) تستثمر كل أوراق القوة التي تمتلكها في أفريقيا، وفي آسيا وأوروبا، فهي تستخدم الهيدروبوليتيكا للضغط على مصر والسودان، ويقصد بالهيدروبوليتيكا الرهانات المائية مقابل السياسة، وأيضاً من الأدوات: المشاريع الاقتصادية، والدعم العسكري والمالي وغير ذلك، والهدف الرئيس تسخير ذلك للمصالح القومية لـ(إسرائيل)، ومن أهم المصالح القومية ضم منطقة الأغوار، وهذا مؤشر كاف لجدية نتانياهو في تنفيذ وعده الانتخابي.