لأمريكا في عالمنا العربي صورة تخالف صورة الواقع الأمريكي الحقيقية. الصورة عند العربي وربما غيره، أن أمريكا بلد الحضارة، والثقافة، والقانون، والأمن، وبلد جيد للاستثمار الاقتصادي.
كثيرون من شباب العرب تمنوا الحصول على الجنسية الأمريكية. بعضهم قضى سنوات في خدمة المجتمع الأمريكي بغرض الحصول على الجنسية، وجواز السفر الذي يتيح لهم السفر باحترام لكل مكان في العالم.
أمريكا في الواقع بلد متقدم في الصناعة، والتجارة، ولكن ليس متقدما في الحضارة. الحضارة هي مزيج من المادة والروح في تعريفات العلماء لها. التقدم الصناعي والتجاري والاقتصادي والعلمي لا يعني الحضارة، لاسيما إذا كانت الأخلاق غائبة، وكانت الروح ميتة، وكانت المثل تدوسها المادة بأقدامها؟!
ما وقع خلال الأيام القليلة الماضية، وما زال يقع، من مظاهرات شعبية عنيفة في بعض ولايات أمريكا، تخللتها أعمال نهب وسلب على الهواء، وتخللتها أعمال تخريب للمحلات التجارية، وأطلقت الشرطة النار على المتظاهرين، ولم تستطع السيطرة عليهم وفرض القانون، واستعادة النظام، وحماية المال الشخصي، والمال العام. مشاهد صور الفيديو التي استباحت صفحات الإعلام الجديد، وبثت بشكل مباشر على الهواء روح الحقد والعنف والعنصرية التي تسكن السكان، المتظاهرين وغيرهم، تعطينا ولا شك الصورة الحقيقية لأمريكا المتوحشة.
أمريكا المتوحشة قتلت ملايين البشر بقنابل نووية، قتلت مئات الآلاف في حروب عنيفة في أفغانستان، والعراق، وغيرها من الدول، تتعرض هي نفسها الآن لصور متوحشة من أبنائها المتظاهرين ضد الشرطة والبيت الأبيض. هؤلاء المتظاهرون خربوا، ودمروا، وسرقوا، ونهبوا، كل ما وصلت إليه أيديهم، تماما كما فعلت أمريكا الدولة في العراق وأفغانستان.
أخلاق الدولة هي نموذج من أخلاق الشعب الذي تقوده، وإذا كان ربّ البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت الرقص. إذا كانت الدولة متوحشة وقاتلة، فالشعب متوحش وقاتل؟!
وفي الختام أقول لعل فيما بثته وسائل الإعلام الجديد من مشاهد العنف والنهب في أمريكا ما يساعد بعضنا على تعديل صورة أمريكا في ذهنه، فأمريكا ليست نموذجا للدولة ذات الحضارة الإنسانية التي تجمع الروح والمادة، والتي تقوم على العدل والأمن. أمريكا دولة عنصرية، ومجتمع عنصري، رغم قوانين منع التمييز على أساس اللون والدين؟! أمريكا القيادة والجيش متوحشون، كما أظهرت الكاميرا توحش المتظاهرين بصورة لا مثيل لها ولا تعقيب عليها، لأنها تحكي عن نفسها بنفسها. أمريكا إلى زوال، وقبل ذلك أمريكا إلى حروب أهلية داخلية، وتفكك.