تطبيقات قصة مزرعة الحيوانات لجورج اورويل ما زالت فعّالة بامتياز، فما يحدث في الولايات المتحدة اليوم ما هو إلا حلقة مثيرة من حلقات هذه الرواية، هذه القصة تروي حكاية سرقة الثورة من قبل الخنازير، وهناك اليوم من يسرق الديمقراطية ويسرق الدولة والمؤسسة وقيم الحرية وقيم العدالة ومكتسبات نضالات الشعوب التي دفعت ثمنا باهظا من أجل الوصول اليها.
ترامب والإدارات الامريكية المتعاقبة لعبت دور الخنزير في مزرعة اورويل بنسب متفاوتة، كلّ منهم كان له دور في الاعتداء على الطبقات المسحوقة داخليا والدول الضعيفة في نظام مزرعتهم الدولي الذي فصّلوه على مقاس جشعهم ومآربهم الامبريالية.
وعندما تتحلّى بقيم الظلم كافّة وتمارس الطغيان والفجور والغطرسة في علاقاتك الدولية وتصطف دائما حليفا لقوى الشرّ، تماما كما تفعل أمريكا في عدائها المطلق للحقوق الفلسطينية واصطفافها غير المسبوق مع دولة احتلال وتمارس كل صنوف العدوان والبطش وقهر الناس، الذي يحمل في صدره هذه الاختلال في الميزان لا بدّ وأن تعاني منه شعوبه من ذات القيم المنحرفة التي تشرّبتها روحه وهو يمارس شرّه مع الشعوب التي يفرض سيطرته عليها.
وهذا بالفعل ما حلّ بأمريكا، يداهم شعبها مشهدا يعكس صورة الوحش المفترس بطريقة فظّة صادمة، كل الظلم المتراكم وحالة الاستعباد والعجرفة التي يمارسها رجل الحكم الفاسد تجسّدت وتكثّفت بصورة واحدة، في غاية البشاعة قتل شرطي أبيض رجلا أسود وهو يتوسّل إليه، وهذه الصورة تلخّص مشهد الاستعباد السياسي والاجتماعي في ذاك المجتمع، تماما كما جاءت صورة محمد الدرة عندما قتله جنود الاحتلال بدم بارد وهو يحتمي بأبيه .
والمشكلة الأساسية عندما تسرق الخنازير الثورة والدولة وقيم الديمقراطية والحرّية ثم تعيد تشكيلها وإخراجها على طريقتها ، هي في البداية تقود الجماهير والثورة ثم تغرق في السلطة وممارسة النفوذ والسطوة ، وعندما لا تجد ما يضع حدا للوصوليين والانتهازيين فإنك تتيح الفرصة لمن يملك المال أن يتحكّم بالإعلام وتوجيه الرأي العام وتجاوز صندوق الانتخاب بنجاح والوصول إلى أن يتقلّد مقاليد الأمور أكثر الناس مالا وجهلا وسفاهة كما الحال مع ترمب، فالكل يعلم أن الذي نجّحه المال واللوبي الصهيوني والقدرة العالية على خداع الناخب الأمريكي، هي قاعدة الأكثر قدرة على الخداع والمراوغة هو الذي يتحكّم بنتائج صناديق الانتخاب.
إننا نجد أنفسنا أمام مزرعة جورج اورويل بكل تفاصيلها، ولو قُدّر لنا إعادة كتابة الرواية من جديد لاستفدنا من تجربة الامبريالية الامريكية المعاصرة أيما استفادة فقد أضافوا فصولا مأساوية جديدة وتجاوزوا حدود الخيال الذي تمتّع به اورويل.