ست وخمسون عاما كاملة مرت على إنشاء منظمة التحرير. منظمة التحرير نشأت بقرار من عبد الناصر تبنته الجامعة العربية. قرار النشأة كان عربيا، وهدف بحسب المحللين المختصين إلى تحقيق أمرين: الأول احتواء العمل الفلسطيني الفدائي الشعبي الذي انبثق قويا وجادا في أول الستينيات. والثاني توجيه منظمة التحرير بما يتفق مع السياسة العربية الرسمية للدول العربية، وهي سياسة لم تكن تعمل للتحرير، ولا تخطط له، وتسير باتجاه التعايش مع الأمر الواقع بوجود ( إسرائيل) في المنطقة.
هذه النشأة كما تحكيها حقائق التاريخ، ويحكيها الواقع، قد ترأسها بداية القائد أحمد الشقيري، الذي عاش هزيمة ١٩٦٧م قائدا للمنظمة، ثمّ تولى قيادتها القائد ياسر عرفات. ثم تولى قيادتها محمود عباس. هذه الفترة استغرقت (٥٦) عاما. وقبل يومين احتفل أعضاء اللجنة التنفيذية برئاسة عباس بذكرى النشأة. اللجنة التنفيذية احتفلت بلقاء رسمي داخل قاعة مغلقة، ولكن الشعب لم يحتفل بالذكرى، وربما لم يسمع بيوم الذكرى!
لماذا تذكر أعضاء التنفيذية يوم الذكرى ولم يتذكره الشعب؟! لماذا لم تشهد المدن الفلسطينية، وتجمعات الفلسطينيين في الشتات احتفالات بذكرى نشأة المنظمة؟! الجواب عن هذا يكمن في قراءة مخرجات منظمة التحرير. إنك إذا قمت بجريدة إحصائية لأعمال منظمة التحرير الكبرى على مستوى قضية تحرير فلسطين، باعتبار أن المنظمة نشأت لتحقيق هذا الهدف الكبير، تجد أن مخرجات هذه الأعوام الطويلة مخيبة للآمال.
خذ المنظمة من جانب الهدف الكبير، أعني تحرير فلسطين، تجد أنها تخلت عن التحرير، واعترفت بحق وجود (إسرائيل) على 78% من أراضي فلسطين! وبالتالي لغت هدف التحرير، الذي عنون لاسمها المعروف منظمة تحرير فلسطين. وخذ القضية من زاوية وسيلة التحرير وآلياته، تجد المنظمة بدأت بالكفاح المسلح خيارا وحيدا، وشعارها ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وانتهت بعد هذه الأعوام الطويلة، إلى تجريم المقاومة، وقمعها، وتحريم الكفاح المسلح، ووصف صواريخ المقاومة بالعبثية، وانخراطها مع (أميركا وإسرائيل) في مقاومة الإرهاب، حيث تضع ( إسرائيل وأميركا) مقاومة حماس والفصائل الأخرى ضمن دائرة الإرهاب!
خذ أيضا المنظمة من زاوية الأمن، والتخابر مع العدو، حيث بدأت المنظمة حياتها بتحريم التخابر والتعاون الأمني مع العدو، وحكمت على من يقوم بهذه الأعمال بالإعدام، ونفذت أحكامها هذه في عدد من المواطنين في السبعينيات، ثم انتهت هي إلى تشريع التعاون الأمني والتخابر مع العدو، وجعلته حلالا ومقدسا، وأخضعته لمفاهيم كانت ترفضها هي عند النشأة!
جرد الحساب الذي يقوم على تقليب زوايا النظر زمن النشأة، وحتى زمن منظمة التحرير بعد أوسلو وحتى تاريخه، أمر يطول ويطول، وهو ليس لنا هنا بغرض، ويكفينا أن ننهي مقالنا هذا بقولنا إن أعضاء اللجنة التنفيذية الذين اجتمعوا في هذه الأيام وأصدروا بيانا وطنيا بليغا فشلوا في اتخاذ خطوات جادة لقيادة الشعب، وجمع الفصائل الوطنية لمقاومة إجراءات ضم الأغوار والمستوطنات، واكتفوا بإجراءات إعلامية، إعلانية، هي تكرير لما كان يوم نقل سفارة أميركا إلى القدس!
كل شيء في منظمة تحرير فلسطين تغير عن النشأة إلى الأسوأ، إلا شيء واحد لم يتغير وظلت اللجنة التنفيذية ورئاستها تعض عليه بأنيابها وهو تمثيلها الوحيد للشعب الفلسطيني، قائلة خلف كل بيان واجتماع: إن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني! فهل بات التمثيل الوحداني هو البديل عن التحرير؟! ما فائدة التمثيل إذا لم يكن ثمة تحرير، أو ثمة إرادة لمقاومة ضم الأغوار ومستعمرات الضفة؟! وقديما قالوا: الفشل لا يمثل أحدا، والفاشل لا يمثل إلا نفسه. هذا ألم يتغلغل خلايانا للأسف، مع كل الاحترام للشهداء والأسرى والجرحى، وقادة المنظمة التاريخيين، الذين صانوا مقاعدهم الوطنية بدمائهم. رحم الله شهداء فلسطين. آمين.