"إعلان سيادة (إسرائيل) على الضفة والأغوار هو شأن سياسي إسرائيلي" هكذا يراه السفير الأمريكي ووزير خارجيته، هذه التصريحات العنصرية لسفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى دولة الاحتلال الاسرائيلي حول الضم هي تصريحات تؤجج العنصرية وتدعم دولة الاحتلال وتحتوي على الكذب والمراوغة، لأن قرار الضم قائم على تطبيق ما يسمى صفقة القرن والخرائط الأمريكية وتأتي استكمالاً لوعد بلفور البريطاني من أجل تدعيم دولة الاحتلال القائم على سرقة الأرض الفلسطينية وتغييب الوعي العربي.
فما يجري على الأرض الفلسطينية منذ قيام (إسرائيل) في عام 1948 واحتلالها بقية فلسطين في عام 1967، ناضج للإقدام على هذه الخطوة، إذ أصبحت ملكية معظم الأراضي في فلسطين التاريخية (نحو 82%) في أيدي اليهود كأفراد أو أراضي دولة، وفي سياق ذلك تعمدت سلطات الاحتلال زيادة أعداد المستوطنات وتكريس أكبر عدد من المستوطنين، فقد لوحظ هذا واضحًا بعد اتفاق اوسلو، فقد بلغ عدد المستوطنين في الضفة أكثر من 800 ألف مستوطن، وسط مخططات لرفع العدد إلى مليون خلال سنوات قليلة، إلى جانب مخططات تتحدث عن رفع عددهم إلى مليوني مستوطن، فضلاً عن شقّ الطرق الالتفافية، وإقامة مختلف مرافق البنية التحتية، وتضييق الحياة على الفلسطينيين بكل الأشكال الممكنة لطردهم من أراضيهم، وتجميعهم في معازل منفصلة بعضها عن بعض في الأراضي المصنّفة (أ) و(ب).
وقد بدأت الإجراءات الإسرائيلية الفعلية على الأرض عندما طبقت حكومة الاحتلال القانون الإسرائيلي على أراضي المستعمرات، مثل: اتساع نطاق مجلس التعليم العالي ليشملها. كما أصدر مؤتمر الليكود في العام 2017 قراراً بالموافقة على تطبيق القانون الإسرائيلي والسيادة الإسرائيلية على المستوطنات، في حين صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات الأخيرة بأنه يخطط لضم أجزاء من الضفة، بما يشمل الكتل الاستيطانية وجميع البؤر الاستيطانية. وأكّد هذا الموقف مرة أخرى ردّاً على المذكرة التي وقعها عشرات الضباط ورجال الأمن السابقون الذين حذروا من الإقدام على هذه الخطوة، وطالبوا بإجراء استفتاء عامّ حولها، كما أن معظم أعضاء الكنيست المنحل يؤيدون هذه الخطوة، لدرجة أن اعتبر يوز هندل، عضو الكنيست عن حزب "أرزق-أبيض"، تصريح فريدمان ينسجم مع برنامج حزبه.
ولتسليط مزيد من الضوء، نشير إلى أن الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين طلب العام الماضي ضم جميع الضفة الغربية لإسرائيل مرة واحدة لا على دفعات، وأن الأحزاب اليمينية المتطرفة أصرَّت على وضع نقطة في المشاورات لوضع برنامج الائتلاف الحكومي غداة الانتخابات السابقة حول الضمّ، وقد وافق حزب الليكود ونتنياهو حينها على ذلك.
إضافة إلى أن هذه الأحزاب اليمينية تعد ضم المستعمرات خطوة على طريق ضم كل مناطق (ج) التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة، لدرجة أنهم يقللون من عدد السكان الفلسطينيين في تلك المناطق إلى 80 ألفًا، في حين أنهم في الحقيقة نحو 400 ألف، أما بقية الأراضي المصنفة (أ) و(ب)، التي تشكل أقل من 40% من مساحة الضفة، فأغلب أعضاء الكنيست لا يوافقون على ضمها.
اللحظة الحالية تبدو مناسبة لتمرير ضم أجزاء من الضفة الغربية، بدءاً بالكتل الاستيطانية، وصولاً إلى ضم الأراضي المحتلة المصنفة (ج)، وهو ما يظهر في استمرار الانقسام المدمر، وعدم بلورة رؤية واستراتيجية فلسطينية وعربية تناسبان المتغيرات العاصفة، هذا بالإضافة إلى ما يجري في المنطقة العربية من صراعات وحروب داخلية أو بينية، وفي ظل وجود وهم بإمكانية تحالف بعض العرب مع (إسرائيل) لحماية الحكام وتغيير الأولويات من مواجهة الخطر الإسرائيلي إلى مواجهة الخطر الإيراني، فضلاً عن انشغال العالم بفيروس كورونا، وعدم وجود قيادة للعالم مهيمنة ومتفق عليها، كما يظهر في شلل المؤسسات الدولية وتحييد القانون الدولي.
جدية الجانب الفلسطيني المشوبة بالحذر الشديد ظهرت في مؤشرات فورية بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، لكن وبغض النظر عن التشكيك الإسرائيلي، هناك ما يدفع للاعتقاد بقرار وقف التنسيق الامني تحمل في مضمونها إيحاءات تحذيرية أكثر مما هي قرارات حاسمة ونهائية؛ إذ إن صياغتها جاءت مبهمة على نحو يترك الباب موارباً أمام رهانات التسوية، كما أن السلطة أبلغت إسرائيل رسمياً بأنها لن تسمح بانتشار ما سمته «العنف» في الضفة الغربية ومحاربتها للإرهاب حتى في ظل وقف التنسيق الأمني، وأيضاً لأن القرارات، وهذا هو الأهم، لم تأتِ، لا من قريب ولا من بعيد، على ذكر اتفاق «أوسلو» أو حل «السلطة» وتسليم مفاتيح «المقاطعة» في رام الله إلى الاحتلال، كما كان يتم التلويح به من قبل.
ذلك أن السلطة الفلسطينية تدرك حساسية الموقف في اللحظة الراهنة، وأن حل السلطة يرتبط بإلغاء اتفاق أوسلو، وأن التنسيق الأمني هو العمود الفقري لبقاء «أوسلو والسلطة» معاً، ومن هذا المنطلق تلجأ السلطة لتكريس مفهوم؛ وهو أن مجرد إنشائها يعد إنجازاً للشعب الفلسطيني، بينما هو في الوقائع لم يحقق شيئاً لهذا الشعب، فمنذ قيامها لم تستطع «السلطة» حتى توفير الحماية الدولية للفلسطينيين، الأمر الذي يبعدهم عن مقاومة الاحتلال، بل إنه في ظلها تضاعف الاستيطان وعدد المستوطنين أضعافاً كثيرة، ولم تتوقف عمليات القمع والتهجير والتهويد وهدم المنازل الفلسطينية لحظة واحدة. وفي ظل أوسلو جرى نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، والاعتراف بالقدس «عاصمة موحدة لإسرائيل»، ناهيك عن أن (إسرائيل) لم تنفذ أياً من الالتزامات المتعلقة بموجب الاتفاق، لا في الشق الاقتصادي وملحقاته (اتفاق باريس مثلاً) ولا في الشق الأمني أو السياسي. لماذا إذاً لا يتم الإعلان عملياً عن إلغاء اتفاق أوسلو من الجانب الفلسطيني؟ وما الفائدة من التشبث بهذا الاتفاق الذي لم يجلب سوى الضرر للقضية الفلسطينية؟
إن الترجمة الفعلية الحقيقية لهذه القرارات التاريخية تستدعي إطلاق انتفاضة جديدة، على غرار انتفاضة الحجارة، كسبيل وحيد للَجم الاستيطان ولَجم الضمّ والتوسع، وهي الرافعة الوحيدة القادرة على إعادة توحيد شعبنا، وإنهاء كارثة الانقسام، وحالة التشرذم والمناكفة واليأس، والعودة بالحالة الفلسطينية إلى الوحدة الفاعلة القادرة على الوقوف سامقة لا تتزعزع في وجه رياح التآمر والعدوان الصفراء"
نتمنى لو أخذ الرئيس عباس العبرة من التوافق الإسرائيلي- الإسرائيلي الأخير، بين نتنياهو وبِني غانتس، الذي أفضى بعد ثلاث جولات انتخابية إلى تشكيل ما يسميه الإسرائيليون حكومة طوارئ وحكومة وحدة، ليعلن تشكيل حكومة وحدة فلسطينية تشارك فيها كل القوى والفصائل الفلسطينية لمواجهة تحديات المرحلة، فأكبر رد على التوافق الإسرائيلي-الإسرائيلي، هو بتوافق فلسطيني-فلسطيني لهزيمة مخططات التصفية للقضية الفلسطينية.