تسود الضفة الغربية حالة غضب شعبية شديدة، بعد أن سجلت مناطق عدة خلال الساعات الـ48 الماضية جرائم قتل وعمليات إطلاق نار واشتباكات مسلحة، لتعود ظاهرة الانفلات الأمني للواجهة مرة أخرى، ما يثير تساؤلات حول إن كانت مرتبطة بإجراءات مواجهة كورونا ومدى قدرة السلطة على معالجة تداعياتها.
وأعلنت المصادر الرسمية للشرطة برام الله أن تلك الحوادث أدت إلى مقتل مواطنَيْن في بلدتي "قصرة" قضاء نابلس، وسيدة في سيلة "الحارثية" قضاء جنين.
ولم تقتصر الأحداث على القتل، بل وقعت اشتباكات بالأسلحة بين عائلتين ببلدة "السموع" قضاء الخليل، وطعن شاب بالصدر في قرية" رفيديا" بنابلس، وشجار في شارع "تل نابلس" أسفر عن إصابات، فضلا عن أربع إصابات في الخليل نتيجة شجار آخر.
وفي مارس/آذار الماضي وقعت ثلاث جرائم قتل أخرى بالضفة الغربية، بعد أن لقي حسن دباس (55 عاما) رئيس مجلس قروي النصارية شرق نابلس مصرعه برصاص مجهولين، في حين عُثر على جثة مواطن آخر داخل سكن للطالبات في محيط الجامعة العربية الأمريكية بجنين، حيث يعمل حارسا لذلك المبنى.
وفي الشهر ذاته تلقى أهالي الضفة خبرا صادما، بوفاة طفل فلسطيني يبلغ من العمر 15 عاما، يدعى منتصر عبد الخالق، في مدينة جنين شمال الضفة، بعد أن أقدم أشخاص على سكب مادة مشتعلة على جسده، ولا زالت جرائم القتل تشهد تزايدا.
مؤشر خطير
النائب في المجلس التشريعي فتحي القرعاوي، يرى أن وصول المشاكل الداخلية لإحراق بيوت وممتلكات المواطنين مؤشر خطير، وأن الوضع ليس طبيعيا أو مستقرا.
وقال القرعاوي لصحيفة "فلسطين": إن" ما حصل مؤسف خاصة أنه حدث سفك دماء، ما يطرح تساؤلات حول دور أجهزة أمن السلطة التي يفترض أن تحمي المواطن وتقف بجانبه وتنزع فتيل الأحداث قبل حصولها".
وأضاف أن أسباب هذه الحوادث كثيرة، أولها حالة الضغط التي يعيشها المواطنون، فالكثير منهم دون عمل، والوضع الاقتصادي صعب، وهذا في المقابل ينعكس على علاقة الناس فيما بينهم وعلاقة النسيج الاجتماعي والأمن الغذائي والمالي.
ويعتقد النائب في المجلس التشريعي أن موقف السلطة ضعيف حيال ما يجري، خاصة أن الكثير من الإشكالات في أكثر من مكان سببها أبناء فتح، وهي لا تريد أن تقع في الحرج فترسل لجان الإصلاح لإنهائها، دون إرسال أجهزتها الأمنية وفرض الأمن على الشارع.
وتابع أنه من الواضح عدم سيطرة السلطة على الأرض، وهي لا تريد توريط نفسها بالاشتباكات فتقدم لجان الإصلاح بدلا من ذلك، عادّا ذلك معالجة خطأ، فالكلمة والموقف من لجان الإصلاح لا يكفيان أمام ارتفاع ظاهرة الفلتان التي لم تأتِ فقط بسبب كورونا، وما شهدها من توقف الحركة، بل نتيجة ضعف المعالجة.
وبحسب معطيات فلسطينية فقد شهدت الضفة الغربية أكثر من (30) جريمة قتل عام 2019، مقارنة بـ(24) عام 2018.
أزمة كورونا
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، عمر عساف، أن أزمة كورونا زادت احتقان الناس، في ظل غياب المرجعية وتعطل القضاء، وغياب الحل القانوني، ما يدفع البعض للجوء للحل العشائري وأخذ القانون باليد.
وقال عساف لصحيفة "فلسطين" إن حوادث العنف قد تأخذ بعدا سياسيا، حينما يكون المتسبب فيها أبناء التنظيم المسيطر، أو خشية أن يكون الاحتلال هو من يشجع على هذه الأعمال والأحداث بهدف إشغال الناس ببعضها البعض في ظل مساعيه لضم أجزاء من الضفة الغربية خلال الأسابيع القادمة.
ويبرز عساف سببين وراء ضعف السلطة، الأول: عدم ثقة الناس بالسلطة وإجراءاتها، وثانيا وجودها الشكلي في بعض المناطق كمنطقة "ج".
مدير مركز شمس لحقوق الإنسان، عمر رحال يرى من ناحيته أن هناك أكثر من جانب لانتشار الجرائم، أولها له علاقة بالجانب الثقافي، والثاني عدم سيطرة السلطة على كل أراضي الضفة الغربية وحاجتها للتنسيق مع الاحتلال لدخول بعض القرى والمناطق، وثالثها تردي وضع القضاء وانتشار ثقافة أخذ القانون بـ "اليد" وعدم وجود تسامح وقبول للآخر.
وقال رحال لصحيفة "فلسطين": "إن القوانين الناظمة والسائدة بالضفة هي قانون العقوبات الأردني لعام 1960م، وهناك حاجة إلى قانون عقوبات فلسطيني عصري، أضف إلى ذلك إجراءات التقاضي الطويلة وعدم توجه غالبية المواطنين للقضاء".
ويعتقد أن الوضع الاقتصادي المتردي وفقدان الناس لعملهم في ظل الجائحة ووجودهم في البيوت مع انسداد الأفق السياسي وعدم تكافؤ الفرص، أدى إلى مزيد من النتائج الكارثية، معتقدا أن انتشار الاشتباكات العائلية في كثير من المناطق "يشير إلى أزمة قيمية نعيشها، في ظل عدم قيام المؤسسة الأمنية بما هو مطلوب منها".
وهذا مرتبط كذلك، بحسب رحال، بالقضاء وعدم اتخاذ المقتضي القانوني بحق المعتدين وغياب العقوبات الرادعة، مشيرا إلى أنه في بعض القضايا يستطيع المحامي الحصول على كفالة وإخراج المعتقل –وإن كان معتديا– من السجن.

