"دولة فلسطين ومنظمة التحرير أصبحتا في حلّ من جميع الاتفاقيات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليهما، بما في ذلك الاتفاقات الأمنية". هذا جوهر قرار عباس أمام اجتماع القيادة في ١٩ مايو ٢٠٢٠م. وقال مستكملا: إن على سلطة الاحتلال تحمل جميع المسؤوليات والالتزامات كقوة احتلال في أرض دولة فلسطين وفق القانون الدولي ".
كانت تعقيبات الفصائل والمحللين تقول إن الخطاب لم يرتقِ إلى مستوى التحدي، ولا يتضمن آليات معالجة عمليات الضم ومنعها. وهو في نظرنا إعلان نظري يفتقر للجوانب العملية الجدية في مكافحة عمليات الضم. وفيه ضمنيا حالة من شبه الاستسلام للأمر الواقع، واللعب في الهوامش والأطراف، التي ليست بذات مغزى.
إننا إذا رجعنا إلى نص الكلمة، والألفاظ المستخدمة، لأن الرئيس كان يقرأ من ورقة، كتبت بعناية وتدقيق سياسي، يحسب حسابات المستقبل من رؤية عباس نفسه، نجد الرئيس قد استخدم عبارة (دولة فلسطين، ومنظمة التحرير، في حل من الاتفاقيات والتفاهمات مع الحكومتين!". (والتحلل) من الاتفاقيات والتفاهمات لا يعني إلغاء الاتفاقيات والتفاهمات، ولا يعني الأخذ بإجراءات عملية محددة، بل هو موقف شبه محايد، لا يحمل أدنى إجراء، ويعني أن المنظمة ملتزمة بالاتفاقيات، غير أنها لا تنفذ المطلوب منها، لعدم التزام (إسرائيل) بما هو مطلوب منها، وأن على (إسرائيل) القيام بحماية نفسها أمنيا كقوة احتلال دون مساعدة السلطة الفلسطينية، التي تحللت الآن من التعاون الأمني!
سؤال البحث عن (الجدية) يقول: إذا كانت دولة الاحتلال قد تحللت هي مسبقا من الاتفاقيات والتفاهمات، ونحن الآن نتحلل منها بسبب عمليات الضم، فهل نترك لقوة الاحتلال أن تقوم بالمطاردة الأمنية التي كانت تقوم بها أجهزة السلطة الفلسطينية؟! إن كان الأمر كذلك فكأنك
يا أبا زيد ما غزيت!
في بعض التحليلات العبرية جمل دقيقة، وإن كانت على لسان الأعداء، حيث قالت بعض الجمل إن عباس لم يواجه في خطابه عمليات الضم، لأنه لا يملك آليات المواجهة، ولا إرادة المواجهة، ولكن كان يواجه في خطابه التهم الممكن أن يطلقها خصومه إذا لم يقل في خطابه ما قاله؟! ونحن نقول أيضا إن هناك فرقا هائلا بين خطاب يذهب لنفي تهم الفصائل والشعب والتاريخ، وخطاب يؤسس لمرحلة مواجهة، وإجراءات عملية لمنع الضم، ولو كان الهدف الثاني هو المقصود لما استخدم الخطاب مصطلح (التحلل) ولا دعا الإسرائيليين لتخليع شوكهم بأيديهم، ولما ظل الخطاب متمسكا بالسلطة، وبالمفاوضات، وبمحاربة الإرهاب، ولسمّى الضم إرهابا يجب مقاومته!
عباس طالب الدول الأوروبية الرافضة للضم بآليات عمل، وتناسى أنه هو لم يقدم لشعبه آليات عمل، غير الذهاب للتوقيع على بعض الاتفاقيات الدولية التي كان قد أوقف الانضمام لها بالتفاهم مع حكومة نتنياهو كما قال هو!
خلاصة القول: إن الأول من يوليو ربما يكون امتحانا قاسيا لعباس من ناحية، ولمنتقديه من ناحية أخرى أيضا. حيث ستبدأ دولة الاحتلال بإجراءات الضم، وعندها ربما نبحث عن إجراءات عباس والمنظمة فلا نجد لها أثرا أو فعلا واقعيا يمنع الاحتلال من إجراءاته، وعندها نسأل عباس والمنظمة: ما قيمة التحلل من الاتفاقيات؟!
نعم، ما زال عباس داخل لعبة الضعف والمناورة مع شعبه، وهو لن يغادرها حتى إن تمّ الضم وفُرضت السيادة. عباس يستطيع مغادرة مصالحه التي رتبها له ولحاشيته اتفاق أوسلو. إن من لا يستطيع مغادرة أوسلو ومصالحه لا يستطيع مواصلة قيادة شعبه في هذه المرحلة الصعبة، ولا يستطيع أن يحمي أراضي الضفة الغربية من الضم!